"لطالما عمل فريقُ البحوث والمبادرات في "مشروع وطن الإنسان" على إعداد أوراقٍ بنيويّة تهدف إلى إعادة بناء
لبنان ، في بحثٍ عن طريقٍ ثالثٍ حين يسدّ التاريخ أبوابه، وسعيًا إلى كسر الدائرة الجهنميّة التي تطوّق
الوطن منذ عقود.
ومن بين تلك الأوراق، برز طرح "الحياد الضامن للسيادة والوحدة"، لا كموقفٍ سياسيٍّ عابر، بل كصيغة خلاصٍ وطنيٍّ تسعى إلى الإجابة عن السؤال الجوهريّ: كيف يمكن للبنان أن يخرج من مأزقه الوجوديّ، فيما تُعاد في
الشرق الأوسط صياغة الخرائط والأقدار، وتُقرَّر مصائر الشعوب فوق أرضٍ تتنازعها القوى؟
إنّ "مشروع وطن الإنسان" يتطلّع، بأملٍ ورجاءٍ كبيرين، إلى أن يحمل قداسةُ الحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر خلال زيارته المرتقبة إلى وطننا غصنَ الزيتون المنتظَر، وأن يضع قضيّة حياد لبنان في قلب
العالم ، عبر قرارٍ أمميٍّ يستثنيه من لعبة الأمم، فيكفّ عن أن يكون ساحةً للآخرين، ويُستعاد كوطنٍ للإنسان.
فمثلُ هذا القرار، سيكون قيامةً وطنيةً تُعيد للبنان مكانته كجسرٍ لا كساحة، وكحَضنٍ للسلام لا كأداةٍ للحروب.
فالحياد اللبنانيّ ليس انسحابًا من التاريخ، بل عودةٌ إلى جوهر
الرسالة ؛ لأنّه حيادُ العدالة أمام القوّة، وحيادُ الإيمان أمام العنف، وحيادُ الإنسان أمام كلّ ما يُفقده إنسانيّته.
وهو في الوقت نفسه ضمانُ
الوحدة والسيادة والاستقرار، والتعبير الأصدق عن إرادة العيش المشترك في كرامةٍ واحترامٍ متبادل.
وفي مكوّناته أن يمتنع لبنان عن الانخراط في الأحلاف والصراعات، وأن تمتنع الدول عن استخدامه أو التدخّل في قراره، عملًا بروح المواثيق الدوليّة التي تحفظ الكيانات الصغيرة من جشع الكبار.
وفي جوهره، أن يبقى لبنان متضامنًا مع قضايا الإنسان وحرّيّة الشعوب، شاهدًا للحقّ لا أداةً في الصراع.
لقد أثبتت التجارب المريرة والوقائع المتراكمة، بما حملته من مآسٍ في دولةٍ مركَّبةٍ كلبنان، وما رافقها من حرائقَ إقليميَّةٍ ونزاعاتٍ متماديةٍ في محيطه، أنّ الانحياز إلى محاور الصراع الإقليميّ كما التدخّلات الخارجيّة في شؤوننا، أطاحا على مرّ السنين بصيغةِ الشراكة بين المسيحيّين والمسلمين، بكلّ ما تختزنه من معانٍ وطنيّةٍ وإنسانيّةٍ وروحيّة.
وهكذا وجد لبنان نفسه في حالِ تفكّكٍ واهتزازٍ في عمق كيانه، تتناوب عليه الأزمات وتتبدّد فيه مقوّمات الدولة، بعدما عجزت كلّ التسويات والحلول عن ترميم بنيانه. ولم يبقَ أمامه، في لحظة الحقيقة هذه، سوى طريقٍ واحدٍ يعيد إليه وحدتَه واستقلالَه واستقرارَه: طريقُ الحياد، بما هو خلاصٌ وشرطُ بقاء".