كتب جورج شاهين في" الجمهورية": لم يتوقف سيل الشكاوى التي يطلقها قادة وشخصيات ومحللون لبنانيون، ومعهم عدد من قادة الدول والمسؤولين العرب، من عدم التزام العدو
الإسرائيلي بمسلسل ما يسمّونه «اتفاقات وقف إطلاق النار»، سواء في
لبنان او في غزة، على هذه الخلفيات، طُرحت الأسئلة في كثير من المناسبات، عن مغزى الإشارة إلى أي من الخروقات المستمرة التي واظبت عليها
إسرائيل في أكثر من جبهة.
وتعتبر مراجع عسكرية واستخبارية وديبلوماسية في تقييمها للاتهامات التي أطلقتها القيادات المختلفة، في اعتبار انّ إسرائيل ماضية في خرقها لاتفاقات وقف النار.
ويبدو واضحاً لأي خبير او مراقب عسكري، انّ كل ما تمّ التوصل إليه من تفاهمات واتفاقيات لم يلحظ أي اتفاق او موعد لوقف النار، سوى الموعد الخاص بوقف العمليات العسكرية من دون فوارق أساسية، وفي الوقت الذي سمح تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 للطرفين أي «حزب الله» وإسرائيل بالردّ على أي من الخروق المرتكبة بطريقة موازية. وإلى هذه الأسباب وغيرها، فإنّ المنطق العسكري يشير إلى صعوبة تأمين التزام الطرفين معاً بالاتفاقات المعلن عنها، ذلك أن فارق القوة يفيض من كل الجوانب السياسية والاقتصادية قبل العسكرية لمصلحة العدو، الذي يتكئ أيضاً من خارج ما نصّت عليه وثائق تجميد العمليات العسكرية على شكل ومضمون ومستوى كتب الضمانات الأميركية لإسرائيل في لبنان كما في غزة، ولذلك يرفق العدو أي بيان عن أي اعتداء يقوم به بالإشارة إلى استشارة او موافقة واشنطن المسبقة على أي منها، وهو أمر لا يمكن ضبطه في ظل فقدان القدرة على الردع وبسبب اختلال موازين القوى إلى درجات يفتقد فيها أي جهاز لقياسها بين الطرفين.
وكتب جوني منيّر في" الجمهورية": تأخذ الأوساط
اللبنانية بتنوعها، التهديدات
الإسرائيلية والتحذيرات الأميركيةعلى محمل الجدّ. لكن «
حزب الله »، وعلى رغم من اتخاذه إجراءات داخليةجدّية لمواجهة اندلاع حرب جديدة، يراهن على احتمال أن تكون هذه التهديداتفي إطار الضغوط وتماشياً مع المرحلة القائمة. ولذلك قال أمينه العام الشيخنعيم قاسم، إنّ احتمال شن إسرائيل اعتداء هو احتمال جدّي، وموضوع علىالطاولة ولو أنّه ليس حتمياً. وقد يكون تقييم «حزب الله » نابع من عاملين اثنين: الأول، إيراني ويتعلق بالحركة الناشطة في الكواليس مع طهران، وهو ما أدّى إلى ولادة إتفاق غزة. الثاني، له علاقة بالتواصل المباشر الذي أقامته القاهرة مع «حزب الله »، وتردّد أيضاً أنّ مسؤولين إماراتيين أجروا تواصلاً مشابهاً. وتمّ خلال التواصل المصري مع قيادة «حزب الله » عرض الواقع الجديد في المنطقة إثر اتفاق غزة، والخريطة التي تتّجه إليها المنطقة. كما جرى عرض لاتفاق غزة، وتمّ استنساخ عدد من نقاطه للوصول إلى اتفاق يتعلق بلبنان. وهو اتفاق من مراحل عدة، ولكنه يرتكز على نقطتين أساسيتين: الأولى، تلزم إسرائيل بوقف كل اعتداءاتها وخروقاتها وتنفيذ انسحابها الكامل من جنوب لبنان وإطلاق الأسرى اللبنانيين. والثانية، الإتفاق على نزع سلاح «حزب الله »، ولكن بعد تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها، وعلى أن يلي ذلك ضمان إعادة إعمار الجنوب. لكن «حزب الله »، والذي شعر بأنّ طيف
السعودية كان يلوح خلف الحركة المصرية، اعتبر أنّ باب التفاوض بدأ يفتح، وأنّ مساراً جديداً بدأ يشق طريقه، بعدما ظهر للجميع بأنّه لا يمكن الذهاب أبعد مما حصل. وعليه، فإنّه يمكن أن تكون حسابات «حزب الله » تتركز على طريقة صياغة معادلة جديدة في لبنان، تأخذ في الاعتبار المتغيّرات التي حصلت، ولكن مع التمسك بالأوراق المتبقية، وهو ما يعني الإقرار بأنّ المعادلة الماضية، والتي عُرفت بمعادلة «محور المقاومة »، أصبحت من التاريخ.
وهذا المشروع السياسي الجديد سينبعث بنحو أوضح مع الذهاب إلى إقرار الإستراتيجية الدفاعية للبنان. أي أن تشكّل التركيبة العسكرية القائمة ل «حزب الله » جسماً مساعداً للجيش اللبناني، ولكن وفق هيكلية مستقلة عنه وتحت مظلة الدولة اللبنانية. وقد يكون «حزب الله » يرى في أن إمكانية حصول مفاوضات مع السعودية، ستواكبها إيران من قرب بلا أدنى شك، من أجل إعادة صياغة معادلة إقليمية تظلل الساحة اللبنانية.
وهنالك شيء جدّي يتمّ التحضير له على المستوى العسكري تجاه لبنان، ويتولّى الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك إرسال إشارات الإنذار في شأنه. لكن السؤال هو، طالما أنّ «حزب الله » يريد تعديل مساره، وهو يتّجه لتركيز حركته داخلياً بدل المشروع القديم «محور المقاومة »، فلماذا تريد إسرائيل الإستمرارفي سعيها لضرب هذا السلاح؟ وتجيب مصادر ديبلوماسية، أنّ إسرائيل لا تأمن لمفاجآت
المستقبل وتطوراته. فطالما أنّ الترابط سيبقى قائماً بين «حزب الله » وإيران من خلال التركيبة العسكرية للحزب، فهذا يعني أنّ المقصود إمرار الوقت وصولاً إلى الرهان على تبدّل المعطيات مستقبلاً، لاستعادة خطوط التماس مع إسرائيل مجدداً. أضف إلى ذلك، فإنّ إيران تريد أن تبقي لها موطئ قدم ونفوذ في منطقة شرق البحر المتوسط حيث الثروة النفطية، ووسط نزاع ما زال مكبوتاً بين إسرائيل وتركيا وقبرص ومصر واليونان. أضف إلى ذلك، إنّ إسرائيل تريد أوراقاً سياسية من لبنان، كمثل الذهاب إلى مفاوضات تكرّس في النهاية واقع السلام، ولو من دون التطبيع.