تستعد
واشنطن لاستقبال الرئيس السوري أحمد
الشرع في العاشر من تشرين الثاني الجاري. وتشكل هذه الزيارة محطةً تاريخية في العلاقات
السورية - الأميركية، إذ ينتظر أن تتوج بتوقيع اتفاق رسمي لانضمام دمشق إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، في خطوة تكرس تحولا عميقا في موقع
سوريا ودورها على الساحة الدولية بعد سنوات من القطيعة والعزلة.
ما يجري يتجاوز الطابع البروتوكولي للزيارة. فالتسريبات التي تتحدث عن احتمال رفع
العقوبات الأميركية عن دمشق، إلى جانب تصريحات
وزارة الخارجية السورية حول الدخول في مرحلة الاستقرار وإعادة الإعمار، توحي بأن اللقاء المرتقب لن يقتصر على تنسيق أمني، بل قد يشكّل مدخلا لصفقة سياسية شاملة تمتد إلى ملفات أوسع، من بينها إحياء المسار التفاوضي مع
إسرائيل .
منذ توليه السلطة عقب سقوط النظام السابق، سعى الشرع إلى تقديم نفسه بوصفه زعيما إصلاحيا يسعى لإعادة إدماج سوريا في النظام الدولي، فتبنّى خطابا جديدا يقوم على الانفتاح والمصالحة، في محاولة لتجاوز الإرث الثقيل الذي خلّفته الحرب والانقسامات الداخلية، ولطمس ماضيه المرتبط بجماعاتٍ متشددة ساهمت في تأجيج الصراع.
هذا التحول لا يقتصر على البعد الدبلوماسي، بل يحمل أبعادا استراتيجية عميقة. فبانضمام دمشق إلى التحالف الدولي، ستستعيد الدولة السورية، بحسب مصادر سياسية، أحد أهم مفاتيح السيادة الميدانية، بعدما كانت مهمة مكافحة التنظيمات المتطرفة موزعة بين قوى محلية متعددة الولاءات، وفي مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ومن المتوقع أن تنتقل صلاحيات التنسيق الأمني وملاحقة الخلايا الإرهابية إلى أجهزة الدولة المركزية، ما يعيد رسم خريطة النفوذ في الداخل السوري.
من وجهة نظر التحالف، فإن إدماج دمشق في منظومته الأمنية يعني توحيد الجهود ضمن إطار دولة تمتلك الشرعية والقدرة على فرض القانون، بدلا من الاعتماد على فصائل محلية محدودة الاعتراف الدولي. ولعل التعاون غير المعلن الذي جرى خلال السنوات الماضية بين دمشق والتحالف خاصة في استهداف قيادات داعش في البادية السورية مهّد لمرحلة من الانفتاح العلني والتنسيق المعلن.
إلا أن هذا المسار لا يخلو من التباينات داخل المؤسسات الأميركية نفسها، حيث ينقسم الموقف بين من يرى في "قسد"حليفا ميدانيا لا يمكن التفريط به، وبين من يعتبر أن التعامل مع الحكومة السورية أكثر استدامة من منظور الشرعية والسيطرة. هذا التباين، بحسب مصادر أميركية قد يفضي إلى إعادة تموضع شاملة في شمال وشرق سوريا، وربما إلى دمج جزئي لبعض تشكيلات "قسد" ضمن
وزارة الدفاع السورية، بغطاء أميركي -
تركي مشترك، ما يعكس بداية تقارب سياسي بين أنقرة ودمشق برعاية واشنطن.
أما على الصعيد السياسي الأوسع، فتشير المعطيات إلى أن الزيارة تحمل رسائل تتجاوز مكافحة الإرهاب. فهناك حديث متزايد عن رغبة الأطراف الثلاثة واشنطن ودمشق وتل أبيب في اختبار مسار تفاوضي جديد يهدف إلى تثبيت تفاهمات حدودية قبل نهاية العام الجاري. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن لقاء الشرع بالرئيس الأميركي
دونالد ترامب سيمهد لجولة خامسة من المفاوضات السورية -
الإسرائيلية ، بوساطة أميركية، لترتيب تفاهمات أمنية على خطوط التماس، من دون أن تصل بالضرورة إلى اتفاق سلامٍ شامل.
ورغم أن إسرائيل تحقق مكاسب ميدانية من دون اتفاقٍ رسمي، إلا أن جلوس الطرفين إلى طاولة واحدة يعدّ مؤشراً على تحول نوعي في البيئة السياسية التي أفرزها سقوط النظام السابق، ويفتح الباب أمام مقاربة جديدة للصراع الإقليمي عنوانها الواقعية السياسية بدل الشعارات الأيديولوجية.
لا تكمن أهمية زيارة الشرع في الصور الرسمية داخل
البيت الأبيض ولا في العناوين الدبلوماسية المعلنة، بل في ما يجري خلف الكواليس من تفاهماتٍ محتملة حول مستقبل العلاقة بين دمشق وتل أبيب، وحدود الدور الأميركي في إعادة صياغة التوازنات الإقليمية. فالمؤشرات الصادرة من دمشق حول الاستقرار الإقليمي، تفهم ، بحسب مصادر سورية، كتوطئة لعودة المفاوضات الأمنية وربما لتفاهماتٍ جديدة تمسّ عمق الجغرافيا والسيادة السورية.
وهكذا، تمثل زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن لحظةً فاصلة في المسار السوري، عنوانها الانتقال من العزلة إلى الشراكة، ومن محور المقاومة إلى محور المصالح.