هي مهزلة، أم تقصير، أم قلة دراية، أم إهمال، أم طمع، أم جشع، أم خفّة، أم كل هذا معاً؟
ما حصل في مغارة جعيتا لا يمكن أن يمرّ وكأن شيئًا لم يحصل. هي جريمة موصوفة في حق معلم سياحي طبيعي. فإذا لم نستطع أن نحافظ عل معالمنا الطبيعية والسياحية فمن غيرنا قادر. ما حصل غير مبرّر، وهو برسم رئيس الحكومة ووزيرة السياحة وبلدية جعيتا واتحاد بلديات كسروان. لا يكفي أن نتباكى، كما فعل الرئيس
نواف سلام ، ولا يكفي التبرير غير المقنع والخالي من أي رؤية علمية لرئيس بلدية جعيتا. فالضرر قد حصل. ويجب أن يُحاسب كل مقصّر وكل مهمل وكل مستخّف بهذا المعلم الطبيعي.
هل يكفي يا
دولة الرئيس أن تكتفي بالقول بأنه "من غير المقبول إطلاقًا العبث بثروات
لبنان الطبيعية". أمّا التبرير الذي أعطاه رئيس البلدية وليد بارود بإنّ الحفل "لم يكن زفافاً كما جرى تداوله، بل حفل خاص وصغير شارك فيه نحو 120 شخصاً"، فهو عذر أقبح من ذنب.
أمّا
وزارة السياحة ، وعلى رأسها سيدة لها تاريخ عريق في الفن الراقي، عملت على مدى سنوات على إحياء مهرجان البستان في مستوى المهرجانات العالمية، فأكتفت بأنها ستوجّه كتاب إنذار رسمي إلى بلدية جعيتا لتحديد المخالفات المرتكبة وطلب الالتزام الصارم بالعقد الموقّع.
مرة جديدة، تُثبت مغارة جعيتا أنّ لبنان لا يفتقر فقط إلى الجمال الطبيعي الخلاب، بل أيضًا إلى من يفشل في حمايته. ما حصل في هذه المغارة، من إهمال أو سوء إدارة، لم يكن حادثة عابرة، بل مهزلة رسمية تكشف عورة أداء وزارة السياحة وبلدية جعيتا على حد سواء.
لا يخفى على أحد أن مغارة جعيتا ليست مجرد وجهة سياحية، بل أحد أهم رموز التراث الطبيعي اللبناني والعالمي. آلاف الزوار والسياح المحليين والدوليين يتدفقون سنويًا للأعراب عن إعجابهم بعجائبها الكلسية، لتكون مصدر فخر وطني وأداة اقتصادية حيوية. ومع ذلك، يبدو أن
الجهات الرسمية تعتبرها محطة عبور لا أكثر، من دون أي خطة جادة للحماية، أو صيانة مستمرة، أو إدارة احترافية لضمان سلامة الزوار والحفاظ على البيئة الفريدة للمغارة.
الوزارات والبلديات المعنية، ومن أبرزها وزارة السياحة وبلدية جعيتا، يتحملون مسؤولية مباشرة عن هذه الفوضى. فقد ظهرت تقارير وشكاوى عن إهمال البنية التحتية، نقص عناصر الأمن والسلامة، وتسيب الإدارة، ما أدى إلى حوادث ومنعطفات محرجة تلطخ سمعة لبنان السياحية. كيف يمكن للبلد أن يروج نفسه كوجهة سياحية عالمية بينما أهم معلم طبيعي فيه يتحوّل إلى مسرح للمهزلة الإدارية؟
المغارة ليست ملكًا لأي وزارة أو بلدية فحسب، بل هي أرث وطني يجب حمايته بكل الوسائل الممكنة. وكل يوم يُترك فيه هذا
الكنز الطبيعي بلا إدارة جادة، يكون لبنان قد خسر جزءًا من هويته وسمعته أمام العالم.
إذا كانت هذه الجهات الرسمية تجهل قيمة المغارة الحقيقية، فعلى الأقل، يجب أن تتوقف عن الإهمال الفاضح وتبدأ فورًا بخطط حماية صارمة، صيانة مستمرة، وتنظيم احترافي للزوار. فالمغارة ليست مجرد مكان للتصوير أو رحلة عابرة، بل رمز طبيعي يعبّر عن لبنان الحضاري والبيئي، وأي تجاهل له يعد خيانة ثقافية وطبيعية لا يغتفر.
في النهاية، تبقى مغارة جعيتا حلم كل لبناني ومفتاحا لجذب السياحة العالمية، لكنها تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إرادة سياسية وإدارية حقيقية، لا مجرد تصريحات وشعارات جوفاء. وإلا، فستظل مهزلة اليوم مقدمة لكارثة غد، وسيفقد لبنان جزءًا من روحه الطبيعية قبل أن يخسر أي استثمار سياحي.