آخر الأخبار

لبنان بين مفاوضات الناقورة وهاجس الحرب الجديدة

شارك
تتجه الأوضاع على الجبهة الجنوبية نحو مرحلة أكثر تعقيداً، مع تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية وتوسع دائرة الأهداف لتشمل قيادات ميدانية وعناصر من حزب الله في الجنوب والبقاع، وهذا التصعيد لا يمكن فصله عن التحركات السياسية والعسكرية المتسارعة في تل أبيب، والتي تتقاطع مع حراك أميركي متزايد في المنطقة يهدف إلى إعادة رسم معادلات القوة والردع.

لقد حملت الزيارة الأخيرة لوزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى الحدود الشمالية، برفقة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، دلالات تتجاوز الطابع البروتوكولي، إذ شكّلت رسالة مزدوجة: الأولى تأكيد التنسيق الأمني الوثيق بين واشنطن وتل أبيب في مواجهة حزب الله، والثانية إظهار الجاهزية الميدانية لفرض معادلة جديدة بالقوة. فالمشهد الذي جمع كاتس وأورتاغوس والسفيرين الأميركي والإسرائيلي على مقربة من خطوط النار، يعكس توجهاً أميركياً لتثبيت قواعد الردع الجديدة من دون الانخراط في مواجهة شاملة، مع الإبقاء على الضغط السياسي والدبلوماسي على الحزب والحكومة اللبنانية .

في المقابل، يتعامل حزب الله مع التصعيد من منطلق تثبيت معادلة الردع المتبادل، ورفض الانصياع للمطالب الدولية التي تدعو إلى نزع سلاحه تحت شعار حصرية السلاح بيد الدولة. في هذا المناخ، جاء موقف الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ليضع النقاط على الحروف، مؤكداً أن الحزب "جاهز للدفاع وليس لشن حرب، لكنه لن يسمح للعدو بالمرور إذا فُرضت عليه المعركة". وأوضح أن استمرار الضغط الأميركي والإسرائيلي يهدف إلى تحقيق ما عجزت الحرب عن تحقيقه، لكن وجود حد أدنى من الردع كفيل بمنع تحقيق أهداف العدوان. وشدد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، من جهته على أن من يطالب بنزع ذرائع المقاومة إما يجهل طبيعة العدوان أو يراهن خطأً على وقوف أصدقاء دوليين لحماية لبنان بعد التنازل".وأكد أن "مفتاح أمن واستقرار لبنان ليس في تلبية شروط العدو بل في ردعه وإجباره على تنفيذ التزاماته والوقف الفعلي لاعتداءاته، ومن هذا المنظور، يرى الحزب أن الضغوط الدولية ليست سوى امتداد للسياسات الأميركية الهادفة إلى تقويض نفوذه الإقليمي.

تحاول إسرائيل من خلال التصعيد الميداني تحقيق جملة أهداف مترابطة: أولها الضغط على الحزب لإنهاء حضوره العسكري في الجنوب وضرب كل قدراته، وثانيها التأثير في الموقف اللبناني قبيل اجتماعات "الميكانيزم" المقررة في الناقورة، وثالثها توجيه رسائل ردع إلى طهران عبر الساحة اللبنانية. أما الولايات المتحدة ، فتبدي حرصاً على تجنب حرب شاملة قد تعرقل مسار ترتيباتها الإقليمية، لكنها في الوقت نفسه لا تمانع في استخدام الضغط العسكري الإسرائيلي كورقة تفاوضية لدفع بيروت نحو قبول تسويات محددة في ملفي الحدود والتفاوض.

وتأتي زيارة أورتاغوس إلى لبنان في هذا السياق، إذ من المفترض أن تصل إلى بيروت للمشاركة في اجتماع "لجنة الميكانيزم" الأربعاء المقبل، والذي سيعقد بحضور رئيس اللجنة الجديد الجنرال الأميركي جوزيف كليرفيلد الذي كان قد استهل مهامه بجولة على قصر بعبدا وعين التينة والسراي، حيث استمع إلى تأكيد لبناني على ضرورة كبح الاعتداءات الإسرائيلية وإحياء الدور الرقابي للجنة الهدنة. وقد خرج بانطباع واضح بأن بيروت تنتظر خطوات عملية لا وعوداً مؤجلة، فيما أعاد هو من جانبه التزاماً بتنشيط آلية الاجتماعات وتحويلها إلى منصة متابعة دورية. وفي السياق تشير أوساط أميركية إلى أن واشنطن لم تعد تكتفي بالنقاشات السياسية العامة، بل تسعى إنجاز مسار تفاوضي محدد المراحل وضمن مهلة قصيرة لاختبار مدى جدية الدولة وقدرتها على الانتقال من الموقف إلى الفعل.

وعليه، يقف المشهد عند مفترق دقيق، فإما أن تنجح الاتصالات الجارية في احتواء التوتر وقطع الطريق على حرب إسرائيلية جديدة يجري التهويل بها، وإما أن يؤدي تراكم الاستفزازات إلى تفجير مواجهة محدودة أو أوسع، ستكون نتائجها السياسية والعسكرية أكبر من حسابات كل الأطراف.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا