آخر الأخبار

بيروت 1... ليس بالتفاؤل وحده تُستعاد الثقة والاستثمار

شارك
يستعدّ وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط لإطلاق مؤتمر " بيروت 1" الاستثماري في 18 و19 تشرين الثاني المقبل، بمشاركة واسعة من القطاع الخاص اللبناني والاغتراب، وبالتعاون مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي. يطمح البساط لأن يشكّل المؤتمر منصّة وطنيّة لعرض المشاريع والفرص الاستثماريّة في القطاعات الإنتاجيّة، مستهدفًا استقطاب استثمارات خارجيّة تُقدَّر بحوالي 7 مليارات دولار، لتوظيفها في مجالات البنى التحتية والخدمات والتكنولوجيا.
إلا أنّ هذا الحدث الاقتصادي، رغم طابعه الإيجابي، يثير تساؤلات مشروعة حول واقعيّة التوقيت وإمكانيّة تحقيق أهدافه، في ظلّ غياب الإصلاحات الهيكليّة التي يطالب بها المجتمع الدولي منذ أعوام، واستمرار تعثّر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، إضافة إلى اشتراط بعض الدول المانحة ربط أيّ دعم مالي بإصلاحات سياسيّة وأمنيّة، وعلى رأسها مسألة سلاح حزب الله .
فهل تتوافر فعلاً ظروف نجاح المؤتمر؟ وهل الوضع الاقتصادي والقانوني والمالي الراهن كفيل بجذب المستثمرين وحماية أموالهم وضمان عائداتهم؟
يأتي مؤتمر "بيروت 1" في محاولة لإعادة إدخال لبنان في خارطة الاهتمام الاستثماري، لكنه يتحرّك في حقل ألغام، وفق ما يرى عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الاميركية للتكنولوجيا البروفسور بيار الخوري، معتبرًا في حديث لـ " لبنان 24 " أنّ نجاح المؤتمر لا يُقاس بعدد الوفود المشاركة، بل بقدرته على إنتاج مسار واقعي يعيد الثقة تدريجيًّا. وأشار الخوري إلى وجوب إعادة تسليط الضوء على لبنان من خلال إطلاق مشاريع محدودة وواضحة النتائج، مثل الطاقة المتجدّدة والبنى التحتية الرقميّة والاقتصاد الإبداعي، أي القطاعات التي يمكن إدارتها بشراكات شفّافة بعيدًا عن التعقيدات السياسيّة.
الواقع المالي والسياسي حاجز أمام الاستثمار
يعيش الاقتصاد اللبناني مرحلة انكماش مركّبة، لا يعبّر عنها تراجع الناتج المحلي فحسب، بل ركود الحركة الاقتصاديّة،وتحوّل القطاع المصرفي من وسيط تمويلي أساسي إلى عبء على العملية الإنتاجية، وفق توصيف الخوري، لافتًا إلى أنّ الأزمات المتتالية قوّضت الثقة بين المواطن والدولة، وبين المستثمر والسوق، وبات النظام المالي يعمل بقدرة محدودة، فيما فقدت العملة الوطنية أسباب وجودها، فغدا الدولار الطازج العملة الفعلية "هذه البيئة لا تستقطب رأس المال، بل تنفره، بسبب غياب الإصلاحات الهيكلية المطلوبة من المجتمع الدولي، ما يضع لبنان في خانة الاقتصاد المعزول. كما يربط المجتمع الدولي أيّ دعم بإصلاحات واضحة في الماليّة العامة والقضاء والقطاع المصرفي، إلا أنّ المشهد السياسي المجزّأ يعطّل التنفيذ، ويحوّل كلّ مشروع إلى رهينة التوازنات السياسية".
الإصلاحات شرط جذب رؤوس الأموال
منذ تشكيل الحكومة، ساد انطباع بأنّ الوصول إلى برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي بات وشيكًا، إلا أنّ الواقع أثبت أنّ الطريق لا يزال محفوفًا بالعقبات، فاجتماعات وفود لبنان مع إدارة الصندوق خلال موسم الخريف لم تُسفر عن أيّ تقدم ملموس. هذا الواقع يطرح علامات استفهام حول قدرة مؤتمر "بيروت 1" على استعادة الثقة وجذب الاستثمارات الأجنبية، إذ أنّ المستثمرين يراقبون عن كثب مدى جديّة لبنان في تنفيذ الإصلاحات الهيكليّة قبل ضخ أيّ رؤوس أموال. وفي هذا السياق، لفت الخوري إلى أنّ غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي لا يعني فقدان التمويل ، بل يمثّل خسارة مظلّة الثقة الضرورية للأسواق لاستئناف الإقراض والاستثمار. مشيرًا إلى أنّ ربط الدعم الدولي بمسائل تتجاوز الاقتصاد، مثل ملف السلاح غير الشرعي، يجعل الاستقرار المالي رهينة معادلات إقليميّة، لا يمكن ضبطها محليًّا.
غياب الحماية والتحدّيات القانونيّة
رغم الطموحات المطروحة في مؤتمر "بيروت 1"، يشير الخوري إلى أن البيئة الاستثمارية الحالية تفتقر إلى مقوّمات الحماية الضرورية لرأس المال، ما يضع المستثمرين في مواجهة مخاطر متعددة "حيث يعاني الإطار القانوني من بطء القضاء وضعف تنفيذ الأحكام، ما يجعل حماية المستثمر قائمة على العلاقات أكثر من النصوص. كما أنّ النظام المصرفي ما زال غير خاضع لرقابة شفافّة بعد الانهيار، والقيود غير الرسميّة على التحويلات تجعل أيّ استثمار أجنبي عرضة لتجميد غير متوقّع. كما لا توجد آليّة واضحة لإثبات الحق التجاري، ولا سعر صرف مستقر يمكن الاعتماد عليه لتقدير العوائد، والثقة بالمؤسسات الرقابيّة شبه معدومة، بينما يعمل القطاع العام بأقل من نصف طاقته. هذه الظروف، إلى جانب التوتّر السياسي الدائم والاشتباك الأمني المتقطّع، تجعل المستثمر يتعامل مع لبنان كمنطقة مخاطرة مرتفعة لا كفرصة تنمويّة".
الخطاب التفاؤلي غير كاف
فيما يراقب المستثمرون الوضع عن كثب، يرى الخوري أنّ الواقع يكشف عن تحدّيات جسيمة أمام أيّ استثمار في لبنان" فالخطاب التفاؤلي لا يكفي وحده، ولا بدّ من ربط الوعود بـخطوات تنفيذيّة صغيرة ومرئيّة، مثل إنشاء نافذة موحّدة للاستثمار بإشراف دولي، أو الالتزام بخارطة طريق مصرفيّة متوافقة مع توصيات صندوق النقد. وأيّ مؤتمر لا ترافقه إشارات عمليّة حيال جديّة الإصلاح، سيُقرأ في الخارج كمحاولة ترويجيّة، لا كمبادرة إنقاذية حقيقية. فإعادة جذب الاستثمار إلى لبنان تبدأ عندما يشعر المستثمر أنّ القاعدة تغيّرت، وأنّ الشلل الإداري والتنموي الذي دمّر الثقة، لم يعد وسيلة للحكم بل أصبح موضع مساءلة".
في المحصّلة، يبدو أنّ مؤتمر "بيروت 1" يختبر قدرة لبنان على الانتقال من لغة النوايا إلى منطق الأفعال. فالمؤتمرات وحدها لا تعيد الثقة، ولا تحرّك رؤوس الأموال ما لم تواكبها إصلاحات جذريّة وتشريعات ضامنة، تشجّع المستثمر وتحمي حقوقه في بيئة مستقرة، وشفّافة. لذلك، قد يشكّل المؤتمر خطوة رمزية مهمّة إذا تحوّل إلى بداية مسار إصلاحي حقيقي يترجم وعود الحكومة إلى التزامات ملموسة، وفي غياب ذلك، سيبقى مجرّد رسالة تفاؤل.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا