تعود
بيروت لتنبض بالكلمة في نسخة جديدة من مهرجان "بيروت كتب – Beyrouth Livres"، الذي يكرّس فكرة أنّ الثقافة في
لبنان لا تعرف موتًا، مهما اشتدّت الأزمات وتبدّدت الموارد. وبعد غياب "صالون الكتاب الفرنكوفوني" منذ عام 2018، بات هذا المهرجان في نسخته الثالثة محطةً ثابتة على الخارطة الثقافية، يوقظ الحنين إلى القراءة، ويعيد الاعتبار للكلمة في زمنٍ يطغى عليه السرعة والضجيج الرقمي.
فما بين 22 و26 تشرين الأوّل ينظّم "المركز الفرنسي في لبنان" دورة جديدة لمعرض الكتاب تتجاوز هذه المرة حدود العاصمة لتصل إلى
الشمال والجنوب والبقاع والشوف، فتحوّل "بيروت كتب" إلى احتفال وطني شامل بالكتاب والفكر وفسحة لقاء بين الأدب والفن، بين اللغة والموسيقى، بين الذاكرة والمستقبل.
إنه مهرجان يجعل من الثقافة فعل مقاومة ناعمة، تذكّر بأنّ الأزمات قد تفرّق الناس، لكن الأدب وحده قادر على جمعهم من جديد.
انطلقت التجربة الأولى عام 2021 بفعالية صغيرة متخصّصة في القصص المصوّرة، موجّهة إلى الجيل الشاب ومحبي القراءة البصرية. غير أنّ النجاح اللافت آنذاك فتح الباب لتوسّعٍ سريع: ففي عام 2022، تحوّل الحدث إلى مهرجان أدبي وفني متكامل استقطب أكثر من 23 ألف زائر، عاكسًا توق اللبنانيين إلى الثقافة ومساحات اللقاء المفتوح.
تحمل
الدورة الثالثة لعام 2025، عنوان الانفتاح والتنوّع، إذ تستضيف أكثر من 80 كاتبًا وفنانًا من عشر دول، بينها لبنان وفرنسا وكندا والمغرب والجزائر وبلجيكا وسويسرا. وتتوزّع الأنشطة على أكثر من عشرين موقعًا ثقافيًا من متحف بيروت إلى كليمنصو، مرورًا بالجامعات والمدارس والفضاءات العامة، لتتحوّل البلاد بأكملها إلى خارطة ثقافية نابضة بالحركة.
من الأربعاء إلى الأحد، تمتدّ فعاليات المهرجان كورشة فكرية حيّة، تتقاطع فيها اللغات وتتلاقى التجارب في حوارٍ يثري الوعي ويجدّد الشغف.
يركّز البرنامج على الشباب والمواهب الصاعدة عبر ورش عمل ولقاءات مع مؤلفين عالميين، لتمكين الجيل الجديد من دخول عالم الكتابة والإبداع، ولتشجيع الأقلام الجديدة على صناعة أدبٍ معاصر يعبّر عن تحوّلات الحاضر وتطلّعات
المستقبل .
وفي خطوةٍ تحمل بعدًا مهنيًا ورمزيًا في آن، يستضيف المهرجان لجنة "جائزة ألبير لوندر"، بما يعكس
التزام لبنان بحرية التعبير ودعم الصحافة النوعية، ويكرّس حضور الحدث على الساحة الثقافية العالمية.
ويقدّم "بيروت كتب" نفسه اليوم كمنصّةٍ مهنيّة تلتقي فيها شبكات النشر والترجمة وصناعة المحتوى الثقافي، وتُفتح من خلالها نقاشات حول مستقبل الكتاب في عصر الرقمنة. كما يشكّل المهرجان جزءًا من مبادرة "كتب من ضفتين" التي يشرف عليها "المركز الفرنسي" ووزارة
أوروبا والشؤون الخارجية
الفرنسية ، في تأكيدٍ على دور بيروت كجسرٍ بين العالم العربي والفرنكوفوني، ومختبرٍ حيّ للحوار والإبداع.