كتب جوزيف قصيفي في "الجمهورية":
التصعيد الذي انتقل تدريجاً من استهداف من تدّعي تل أبيب أنّهم "كادرات" في "
حزب الله "، إلى تدمير الجرافات ومعمل الباطون الجاهز في المصليح ووادي أنصار، وغداً معامل الأحجار، يحمل رسالة مزدوجة:
- الأولى: ممنوع إعادة الإعمار قبل حلّ تفرضه هي بشروطها للسماح به، متكئة إلى منطق القوة وأدواتها، في ظل صمت عربي ودولي.
- الثانية: تكثيف الضغط على كل من رئيسي الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس المجلس النيابي
نبيه بري ، للقبول بالدخول في مفاوضات مباشرة، لإبرام معاهدة سلام مع الكيان العبري، في اعتبار انّه الطرف الأقوى حالياً، ويتمسك بهذه الورقة لإمرار بنود تتلاءم مع دفتر شروط بنيامين نتنياهو.
إن الكلام الذي قاله الرئيس عون عن المفاوضات، والآلية التي أوحى بها، لم تلق صدى ايجابياً لدى
إسرائيل ، لأنّ مفاوضات ترسيم الحدود البحرية التيتمّت الإشارة إليها، لم تفض إلى إتصالات مباشرة بين مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين، بل تولّى الأمر الجانب الأميركي بمواكبةأممية ودولية، وذلك خلافاً للرئيس الانتقالي في
سوريا أحمد
الشرع ، الذي ذهب بعيداً في اتصالاته المباشرة مع المسؤولين الصهاينة في غير بلد، عبر وزير خارجيته أسعد الشيباني مع
وزير الخارجية
الإسرائيلي للشؤون الاستراتيجية رون دريمر، تحت مظلة الراعي الأميركي. والجانب اللبناني ليس في هذا الوارد.
كذلك، فإن هذا القصف الجنوني والغاشم هو للضغط على رئيس الجمهورية، ورئيس المجلس النيابي، للإسراع في قبول عرض التفاوض من دون أي شروط مبدئية وبروتوكولية.
وتعتبر مصادر ديبلوماسية، أنّ تل أبيب، ترمي بقصفها الجرافات ومعامل الباطون الجاهز، وكل المنشآت الصناعية التي لها علاقة ب "لوجستية" الإعمار، إلى محاولة إيلام بيئة "حزب الله" وإفهامها أنّ لا إعمار ولا عودة إلى المدن والبلدات والقرى اذا لم يرضخ "الحزب" ويوافق على اتفاق سلام، وتسليم ما تبقّى لديه من سلاح، وتفكيك كل بناه العسكرية، الأمنية والخدمية. كذلك، فإنّ هذه الموافقة تساعد الحكم في
لبنان وتوفّر له المظلة لكي يذهب إلى المفاوضات المطروحة، والتي كثر الحديث عنها بعد إنجاز إتفاق السلام في غزة. ولكن ثمة من يتساءل عن طاقة الاحتمال لدى الرئيس عون إزاء الضغط الدموي والتدميري الذي يمارسه نتنياهو، واستعجال
واشنطن طي الملف اللبناني في
المستقبل القريب.
ولم تنته معاناة لبنان، ولا الحرب عليه، على رغم من أنّ الجيش يقوم بواجباته ويحظى بثناء لجنة "الميكانيزم"، فالهدف:
أ- معاهدة أمنية تحدّد عديد الجيش وعتاده في جنوب لبنان، وسلبه حرّية المبادرة التي ستكون مقيّدة بآليات تحرّك على الارض.
ب - منطقة عازلة أمنياً وبشرياً وخالية من السلاح يُحدّد عمقها في التفاوض.
ج - التدقيق في لوائح المواطنين الذين سيعودون إلى المنطقة التي أُرغموا على الجلاء منها، لتكون منطقة خالية من عناصر "حزب الله".
د- إصرار إسرائيل على تضمين أي معاهدة محتملة بنداً غير قابل للنقض، وهو حقها في التحليق الحربي فوق الأجواء
اللبنانية بواسطة الطائرات أياً كان نوعها، والمسيّرات، وخرق الحدود البرية، والبحرية بتسيير دوريات راجلة أو بواسطة الزوارق الحربية.
ومن الواضح أنّ الوضع سيطول وسيكون اكثر تعقيداً، في ظل إستعجال واشنطن وتل أبيب "ضرب الحديد وهو حامٍ"،والإفادة من "زخم" "إتفاق غزة".
وبين تروي الجانب اللبناني ولا سيما منه الرئيس جوزاف عون، والحرص على إبعاد السكين عن عنق لبنان واستدراجه إلى تنازلات نحت وطأة خطره، وأن يتمّ البتّ في كل ملف مصيري يتوقف عليه مستقبل البلاد ووجودها بمقاربة وطنية شاملة، لا بدّ من وضع أطرها العامة وخلق ظروفها.