صدر الحكم بإخلاء سبيل هانيبال القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي، منهياً بذلك أطول فترة توقيف احتياطي استمرت 10 سنوات، في قضية اختفاء الإمام موسى
الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في ليبيا عام 1978.
وصدر الحكم في مقابل دفع غرامة قدرها 11 مليون دولار ومنع سفر، خلال جلسة استمرت ساعات، ترأسها القاضي زاهر حمادة.
وشكل القرار خطوة مفاجئة أتت من خارج كلّ التوقعات، وذلك بعد أربع جلسات محاكمة فقط، عقدت خلال الأعوام العشرة، لتكون جلسة المحاكمة التي عقدت امس هي الأولى بعد توقف استمر منذ عام 2017، أي منذ 8 أعوام.
وكتبت" الشرق الاوسط": القرار اتخذه القاضي حمادة بعد أن استجوب القذافي على مدى ساعتين في قصر العدل في
بيروت بحضور وكيليه المحاميين الفرنسي لوران بايون واللبناني نسيب شديد، وبحضور وكلاء الادعاء الشخصي الممثلين لعائلات الصدر ويعقوب وبدر الدين، وبدا القذافي لدى دخوله مكتب القاضي حمادة متماسكاً وهادئاً وبصحّة جيدة، وحظيت الجلسة باهتمام كبير، باعتبار أن إعادة استجوابه للمرة الأولى منذ عام 2017 حملت مؤشراً على تطور معين سيحصل خلالها.
وفي المقابل، أعلنت عائلة الصدر في بيان أنها تفاجأت بقرار إخلاء السبيل، «خصوصاً مع عدم حصول أي إجراءات أو مستجدّات تمثّل تقدّماً في القضية»، مضيفة أن الموقوف «لا يزال منذ توقيفه ممتنعاً عن الإدلاء بما لديه من معلومات يملكها تفيد في الوصول إلى أماكن احتجاز الإمام وأخويه وتحريرهم».
وأوضح وكيله المحامي نسيب شديد، أن هانيبال «كان مرتاحاً خلال الاستماع إلى إفادته، وأجاب عن الأسئلة التي طرحها المحقق العدلي وفرقاء الدعوى». وأكد أن جلسة التحقيق «لم تحمل جديداً» وأنها «أتت بطلب من عائلة الإمام الصدر التي لم تقدّم أي مستند أو دليل يعزز التهمة المنسوبة إلى الموقوف».
بدوره، أبلغ المحامي الفرنسي لوران بايون أن وكلاء القذافي سيتقدمون، يوم الاثنين، بطلب إلغاء الكفالة «غير المنطقية»، كما إلغاء منع السفر. واعتبر بايون أن قرار القاضي بمثابة تبرئة لموكله، والكفالة لا معنى لها في هذه الحال. وقال بايون إن القذافي مثل مرة جديدة أمام المحقق وقال له مجدداً إنه لا يعرف شيئاً عن القضية، وعلى هذا الأساس اتخذ قرار الإفراج عنه، وبالتالي لا مبرر للكفالة».
وعن توقيت قرار الإفراج عن هانيبال، ما إذا كان ذلك نتيجة ضغوط خارجية مورست على
القضاء اللبناني وعلى قيادات سياسية، أكد مصدر قضائي أن قرار إخلاء السبيل جاء «بعد أن استنفد المحقق العدلي كل الإجراءات القانونية الممكنة، سواء عبر المراسلات مع السلطات الليبية أو عبر استجوابه الأخير». وقال: «بات المحقق العدلي على قناعة بأن التوقيف الاحتياطي لم يعد مبرّراً بعد مرور عشر سنوات، وبعد أن تمكّن القاضي حمادة من جمع كل ما هو متاح من معطيات»، مشدداً على أن إخلاء السبيل «لا يعني تبرئة القذافي، بل هو إجراء قضائي مشروط بضمانات مالية وقانونية صارمة».
وأوضح المصدر أن المحقق العدلي «قسم الكفالة المالية إلى جزأين، مليون دولار كضمانة لحضور القذافي جلسات التحقيق والمحاكمة، وعشرة ملايين دولار كضمانة جزئية للتعويضات الشخصية التي قد تترتّب عليه في حال صدور حكم عن المجلس العدلي يدينه بالجرائم المشار إليها».
مصادر مواكبة للأجواء التي سبقت الموافقة على إطلاق سراح القذافي، وصفت القرار بأنه «مدروس بدقّة وجاء بعد مشاورات بين القاضي حمادة والنائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، الذي بُلّغ قرار الإفراج عن هانيبال ولم يعترض عليه؛ لأن الحجار حينما أبدى رأيه سابقاً بطلب إخلاء السبيل، ترك للقاضي حمادة الحقّ في اتخاذ القرار المناسب». وقالت المصادر إن القرار «ينسجم مع الأصول القانونية التي تسمح بإخلاء سبيل الموقوف بعد مرور فترة طويلة على توقيفهم من دون صدور حكم نهائي».
وكتبت" النهار": فما هي المراحل التي قطعتها هذه المسألة، تحديداً مع ظهور اسم هنبيعل القذافي إلى العلن؟
فجأة، في 6 كانون الأول 2015، بات اسم هانيبال القذافي أليفاً في القاموس السياسي – اللبناني. يومها، اختطف من الأراضي
السورية وأدخل
لبنان .
بعد أيام، أصبح القذافي في عهدة شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، ومذّاك، دخلت المرحلة منعطفاً جديداً ضمن محاكمات بدت كأن لا أفق لها. خلال أعوام عشرة، عقدت فقط 10 جلسات. وفي الـ2017، توقفت الجلسات كلياً ليوضع الملف على رف الانتظار والجمود.
وبين الحين والآخر، كانت تسرّب بعض المعلومات، تارة عن وضعه الصحي الدقيق والذي استوجب أكثر من مرة نقله إلى المستشفى من مكان احتجازه، وطوراً عن بيانات وأخبار ترد من عائلة الإمام موسى الصدر والتي تؤكد رفضها الإفراج عنه أو إطلاقه، قبل بت مصير الإمام المغيّب.
لكن المفارقة أن "جرم" هنبيعل هو "كتم المعلومات"، لا سيما أنه كان لا يزال طفلاً، حين وقعت حادثة اختفاء الإمام الصدر في عام 1978.
في الشق القضائي، وفي العنصر الذي ترتكز عليه عائلة الصدر، أن هذه المعلومات تعتبر من " النوع الأساسي"، وبالتالي فإن القانون يعاقب على "جرم كتم الحقيقة أو إخفائها"، ولا علاقة أبداً لتاريخ وقوع الجريمة، إذ إن الجرم من النوع الذي لا يُلغى، بل هو "جرم متمادٍ".
وفي الشق الدفاعي، فإن موكلي القذافي لطالما ارتكزوا على جانب مهم وهو أن اختفاء الصدر تمّ عام 1978، أي عندما كان هنبيعل يبلغ من العمر عامين فقط. ولطالما استشهد هنبيعل بهذه الواقعة، كدليل إلى براءته.
وفي إحدى المرات من جلسات محاكمته القليلة، نقل أنه ذكر أن والده معمر القذافي لم يلتق بالصدر في آب 1978، وادّعى أن "جلود وأحمد قذاف
الدم هما الشخصان الحيّان الوحيدان اللذان لديهما علم باختفاء الصدر".
ربما في "نقطة ضعف" القذافي، أنه تزوج، عام 2003، من سيدة لبنانية تدعى ألين سكاف، وتولى لاحقاً بعض المسؤوليات المرتبطة بالشأن اللبناني.
في 16 شباط 2016 قدم فريق الدفاع طلباً لنقل الدعوى من يد القاضي حمادة إلى قاض آخر، بدعوى "الارتياب المشروع"، لكن الطلب رفض، وبقي الملف بيد القاضي زاهر حمادة.
في آ ب 2016، آصدرت الحكومة
اللبنانية مذكرة توقيف بحق هنبيعل على خلفية اختفاء الصدر، واعتقل.
لاحقاً، رفضت الحكومة اللبنانية طلباً قدمته الحكومة السورية لإعادة القذافي على أساس أنه لاجئ سياسي، وأصرت على أنه "رجل مطلوب" في لبنان لحجبه معلومات تتعلق باختفاء الصدر.
في 21 آذار 2018، أصدرت المحكمة قراراً بسجنه سنة وثلاثة أشهر ودفع غرامة مالية، بتهمة تحقير القضاء.
في عام 2019، تردد أن
روسيا التي طوّرت علاقات وثيقة مع الأخ الأكبر لهنبيعل سيف الإسلام، دفعت من أجل إطلاقه، وعرضت عليه اللجوء في
موسكو لكن سرعان ما جمّدت المسألة.
في
تموز 2023 بدأ هنبيعل إضراباً عن الطعام احتجاجاً على احتجازه المطول في لبنان، ودخل مراراً إلى المستشفى بسبب انخفاض حاد في مستوى السكر في الدم.
في كانون الثاني 2024، دعت "هيومن رايتس ووتش " - لبنان إلى إطلاق القذافي، قائلة إنه محتجز "بتهم زائفة" منذ ثمانية أعوام.
في آب 2024 ، طلبت ليبيا من لبنان إبراز أسباب توقيف القذافي، وطلبت السلطات القضائية الليبية رسمياً من لبنان الإفراج عنه بسبب تدهور حالته الصحية.
في 17 تشرين الأول 2025، عقدت جلسة استجواب للقذافي، بعد توقف لثمانية أعوام، انتهت بقرار إخلاء السبيل مقابل دفع كفالة ومنع سفر. وكان لافتاً الفريق الدفاعي الذي تولى الدفاع عن القذافي، وكان فريقاً لبنانياً - فرنسياً. أما في المعلومات المتوافرة من الجلسة، فإن هنبيعل كان يردد عبارة واحدة على معظم الأسئلة: "لا أعرف. كنت صغيراً حين وقوع حادثة الاختفاء".