آخر الأخبار

التصعيد المتواصل في الجنوب.. هل يقترب لبنان من جولة حرب جديدة؟

شارك
تتراكم المؤشرات الميدانية جنوبًا لتعيد التوتر إلى واجهة المشهد اللبناني، وسط سلسلة من الغارات والخروقات الإسرائيلية التي طالت بلدات عدة في الساعات الأخيرة. ورغم أنها لم تخرج عن سياق الاعتداءات اليومية التي لم تتوقف منذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يقترب من إحياء ذكراه الأولى، فإنها رفعت سقف التكهّنات باحتمال اقتراب لبنان من جولة حرب جديدة، تسعى إسرائيل من خلالها إلى ملء "الفراغ" الذي تركته حرب غزة.

وفي حين يحاول الخطاب السياسي المحلي الإيحاء بعدم وجود نية لحرب شاملة، يوحي الواقع الميداني بعكس ذلك، كما ظهر في اجتماع الناقورة امس الذي عكس حجم التباين بين الطرفين. فبينما أدان الجيش اللبناني الاعتداءات المتكرّرة وعدّها خرقًا فاضحًا للقرار 1701، برّرت إسرائيل عملياتها بـ"حق الدفاع عن النفس"، فيما اكتفت الأمم المتحدة بالتعبير عن قلقها من تراجع قدرة "اليونيفيل" على ضبط الوضع الميداني.

وسط هذا المشهد، لا تبدو التطمينات الرسمية بعدم اتساع رقعة القتال كافية أمام تصاعد وتيرة الغارات والاستهدافات بالطائرات المسيّرة. فالجنوب يعيش اليوم حالة "استنفار صامت" يخشى الجميع أن تتحوّل في أي لحظة إلى اشتعال شامل. ويبقى السؤال: ما الأسس التي يستند إليها المسؤولون في تطميناتهم؟ وأيّ سيناريوهات يمكن أن تُرسَم للجنوب اللبناني في مرحلة ما بعد حرب غزة؟!

مشهد ميداني متحرّك

فيما اتجهت الأنظار إلى اجتماع "لجنة وقف اطلاق النار" في الناقورة أملاً بتحقيق خرق في المشهد السياسي والميداني، جاء الاجتماع ليثبّت الوقائع المتناقضة: الجيش اللبناني يدين الغارات واستهداف المدنيين والبنى الاقتصادية ويعدّها خرقًا لاتفاق وقف الأعمال العدائية، ويذكّر بالنقاط الخمس التي ما زالت إسرائيل تحتلّها جنوب الليطاني، بينما يواصل الجانب الإسرائيلي تذرّعه بـ"حق الدفاع عن النفس" لتبرير عملياته.

وبين هذين الموقفين، تبدو النتيجة ثابتة: مسار تفاوضيّ لا يحقق أي تقدّم، وميدانٌ يتكفّل بإنتاج الحقائق على الأرض، وقد بات مسرحًا للاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة التي توحي بأن تل أبيب تسعى إلى فرض واقع ميداني جديد يختبر ليس فقط قدرة الدولة اللبنانية على الاحتواء، بل أيضًا صبر " حزب الله " الذي يواصل التزامه باتفاق وقف إطلاق النار، ولو أنّه لوّح غير مرة بأنّ هذا الصبر ليس بلا حدود.

ويبدو أنّ هدف تل أبيب من هذا الإيقاع التصعيدي هو إبقاء لبنان تحت ضغط دائم يمنعه من التقاط أنفاسه السياسية والاقتصادية، مع استثمار الأجواء الإقليمية المتوترة لفرض خطوط حمراء جديدة. وفي المقابل، ترتفع الأصوات في الداخل اللبناني خشية أن تنفجر الجبهة الجنوبية مجددًا على وقع التهدئة التي سادت في غزة، خصوصًا بعدما أشارت تقارير إسرائيلية إلى أنّ المرحلة المقبلة قد تشهد تحويل التركيز نحو الشمال .

أين الضمانات؟

سياسيًا، تتبدّى مقاربة رسمية لبنانية تميل إلى ضبط النفس وتغليب مساعي الاحتواء، ويعبّر عنها موقف رئاسي "مطمئن" لعدم عودة الحرب الموسعة رغم تصاعد التهويل. إلا أن الطمأنة، وإن كانت ضرورية لخفض منسوب القلق، تصطدم بميزان ميداني يفرض إيقاعه على الخطاب السياسي كلما اشتدّت وتيرة الخروق. فهل من ضمانات حقيقية يمكن الركون إليها لبثّ هذا الخطاب؟

حتى الآن، لا إجابة وافية، وإن كانت بعض الأوساط السياسية تعوّل على نافذة سياسية تُبقي الاشتباك "محكومًا" تحت سقف القرار 1701، مستفيدة من حاجة الأطراف إلى تجنّب حرب شاملة وكلفتها الباهظة. غير أن استمرار الاستهدافات النوعية والغارات المتفرقة يعني أنّ الاستقرار الحالي مؤقّت بطبيعته، وأنّ تثبيته يحتاج إلى تفاهمات تنفيذية لا تبدو متوافرة حتى اللحظة، خصوصًا مع تعثّر الوساطة الأميركية في تأمين أي ضمانات إسرائيلية.

وسط ذلك، يخشى مراقبون أن يشكّل الموقف المتشدّد الذي يبديه "حزب الله" في ملف سلاحه ذريعةً جديدة لإسرائيل لتبرير خروقاتها واستكمال ما لم تحققه في حربها الأخيرة، في ظلّ رفض الحزب التجاوب مع الطروحات الدبلوماسية المرتبطة بسلاحه ودوره. لكنّ الحزب، من جهته ، يرى أن هذه المطالب تمسّ صميم معادلة الردع، وأنّ أي تنازل فيها سيقوّض موقع لبنان التفاوضي بعد حرب غزة.

هكذا يبدو الجنوب اليوم محاصرًا بين نار الاعتداءات الإسرائيلية ومحاولات التهدئة السياسية. فالمعادلة الدقيقة التي تحكم المشهد لا تسمح بانفجار واسع، لكنها أيضًا لا تمنح استقرارًا حقيقيًا. ومع غياب الضمانات الدولية وفتور الوساطات، تبقى الجبهة الجنوبية مرشحة لكلّ الاحتمالات، من اشتباك محدود إلى تصعيد أوسع، تبعًا لحسابات إقليمية لا يملك لبنان سوى التكيّف معها ومحاولة الحدّ من كلفتها.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا