في ظل الجدل السياسي الدائر بشأن مصير الانتخابات النيابية المقبلة في
لبنان ، يبرز موقف
الثنائي
الشيعي (حـزب الله وحركة أمل) كأحد أكثر المواقف وضوحًا وحسمًا لناحية الإصرار على إجرائها في موعدها الدستوري، وهو إصرار لا يرتبط بعامل واحد بل بمجموعة أهداف مترابطة يسعى "الثنائي" لتحقيقها من خلال هذا الاستحقاق.
أول هذه الأهداف يتصل مباشرة بالصورة التي يريد "الثنائي" ترسيخها لنفسه أمام الرأي
العام اللبناني والخارجي، وهي أنه مع الدولة ومؤسساتها واحترام
الدستور ، وأنه ليس الطرف الذي يعرقل أو يعطّل. ف"الثنائي" يرى أن الالتزام بالمهل الدستورية وإجراء الانتخابات في موعدها يشكلان دليلًا عمليًا على تمسكه بمنطق الدولة، في حين أن أي تأجيل سيُستخدم من قبل خصومه لتوجيه الاتهامات إليه. كذلك، فإن حصول التأجيل على يد القوى التي تدّعي الدفاع عن الدولة سيضعها في موقع من يخالف الدستور ويضرب انتظام المؤسسات، بينما يظهر "الثنائي" في المقابل كطرف يحرص على تطبيق النصوص واحترام الاستحقاقات.
أما الهدف الثاني، فيرتبط بالواقع الشعبي الذي يعيشه "الثنائي الشيعي" اليوم، وخصوصًا حـزب الله. فوفقًا لمصادر سياسية مطلعة، فإن الزخم الشعبي الذي يحظى به الحزب في الشارع الشيعي هو الأكبر في تاريخه، إذ إن الحرب الأخيرة والحملات المعادية التي شنّها خصومه أدّت، خلافًا لتوقعاتهم، إلى زيادة التأييد الشعبي له بدل تراجعه. فشرائح واسعة من البيئة
الشيعية التي كانت تقف على مسافة أو تعارض الحزب انتقلت بعد الحرب إلى تأييده والالتفاف حوله. من هنا، يرى "الثنائي" أن الانتخابات تشكل فرصة ثمينة لتثبيت هذا الواقع الشعبي وترجمته في صناديق الاقتراع، وإرسال رسالة بأن حجمه الشعبي لا يزال في تصاعد رغم كل الضغوط والاستهدافات.
أما الهدف الثالث والأكثر استراتيجية، فهو سعي "الحزب" وحلفائه إلى تحقيق ما يُعرف بـ«الثلث المعطل» داخل المجلس النيابي المقبل. ورغم أن البعض يعتبر أن هذا الهدف صعب المنال، إلا أن مصادر سياسية قريبة من "الثنائي" ترى أنه ليس مستحيلًا إذا ما تمكّن الحزب من الحد من الخروقات في بعض الدوائر والاعتماد على تحالفات مدروسة مع عدد محدود من الحلفاء. وبالوصول إلى هذه العتبة، يكون "الثنائي" قد حقق مكسبًا سياسيًا بالغ الأهمية، إذ يضمن امتلاكه القدرة على التأثير في القرارات المفصلية ويثبت شرعيته السياسية والشعبية والنيابية، بحيث لا يعود ممكنًا لأي طرف أن يشكك بها أو ينتزعها منه.
من هنا، يتضح أن إصرار "الثنائي الشيعي" على إجراء الانتخابات في موعدها يتجاوز البعد الشكلي أو القانوني، ليعكس رؤية سياسية واضحة تهدف إلى تكريس حضوره في الدولة، وتثبيت قوته الشعبية في الشارع، وترسيخ نفوذه داخل
البرلمان كقوة لا يمكن تجاوزها في أي تسوية مقبلة.