يتّضح من مجمل التطوّرات السياسيّة في الأسابيع الأخيرة أنّ الخلاف بين رئاسة الجمهوريّة ممثَّلة بالرئيس جوزاف عون ، ورئاسة الحكومة ممثلة بالرئيس نواف سلام، لم يعد مجرّد تباين في وجهات النظر أو اختلاف طبيعي في المقاربات، بل تحوّل إلى صراع سياسي مفتوح يهدّد التوازن الدقيق في السلطة التنفيذيّة، ويُلقي بظلاله الثقيلة على الحياة السياسيّة في البلاد.
هذا الخلاف بلغ ذروته بعد الأحداث التي شهدتها منطقة صخرة الروشة، والتي شكّلت نقطة تحوّل مفصليّة في العلاقة بين الرجلين، إذ شعر سلام بشكل واضح أنّ رئيس الجمهوريّة يتصرّف بمنطق يهدف إلى مراعاة الطرف
الشيعي في المعادلة السياسيّة، ولو على حساب موقع رئاسة الحكومة وصلاحياتها.
سلام، الذي رأى في طريقة التعاطي مع أزمة الروشة مؤشراً خطيراً على تغيّر موازين القوى، اعتبر أنّ ما جرى لا يمكن فصله عن سياق أوسع من التراكمات والخلافات. فالقضية لم تكن فقط في إدارة تلك الحادثة، بل في ما عكسته من نهجٍ سياسي لدى رئيس الجمهورية، يقوم على تقديم حسابات التوازن الطائفي والسياسي على حساب مفهوم الدولة وموقع رئاسة الحكومة في النظام. هذا الامر أثار استياء سلام، الذي يعتبر نفسه ممثلاً للسلطة التنفيذية والمسؤول الأول عن إدارة شؤون البلاد اليومية.
لكن أزمة الروشة ليست سوى رأس جبل الجليد. فالملف الأكثر حساسيّة بين الطرفين يبقى كيفية التعاطي مع سلاح
حزب الله ودوره في الداخل والخارج. ففي حين يظهر سلام ميلاً إلى طرح هذا الملف من زاوية الدولة واحتكارها لاستخدام القوّة وتنظيم علاقتها بكل القوى المسلّحة، يفضّل عون أن يبقي هذا الموضوع خارج المواجهة السياسية المباشرة، مبرراً ذلك بأنّ الدخول في صدام مع الحزب قد يدمّر ما تبقّى من عهده ويفتح على البلاد أبواب أزمات لا قدرة لها على تحمّلها.
هذا التباين العميق في الرؤية جعل العلاقة بين الرجلين أكثر تعقيداً، وأفقدها الحد الأدنى من الانسجام المطلوب لإدارة المرحلة.
ويضاف إلى ذلك عامل آخر لا يقلّ أهميّة، وهو النزاع حول الصلاحيات بين الرئاستين. فالرئيس عون يسعى، وفق ما يُنقل مطلعين، إلى ممارسة نفوذ سياسي واسع يتجاوز ما أتاحه له
اتفاق الطائف ، بحيث يقترب دوره من الدور الذي كان لرئيس الجمهوريّة قبل التعديلات الدستوريّة. في المقابل، يتمسّك سلام بحقّه في أن يكون "قائد الأوركسترا" في المشهد السياسي، أي من يضبط إيقاع السلطة التنفيذية ويرسم خطوط السياسات العامة للحكومة. هذا الصراع على النفوذ والصورة والدور يهدّد بأن يتحوّل إلى أزمة نظام حقيقية، خصوصاً إذا ما استمرّ من دون أي محاولة لتسويته أو إرساء قواعد جديدة للتعايش بين الرئاستين.
يبدو أنّ العلاقة بين جوزاف عون ونواف سلام دخلت مرحلة دقيقة ومعقّدة، حيث لم يعد الخلاف محصوراً في ملف أو اثنين، بل أصبح تعبيراً عن رؤيتين مختلفتين للدولة والسلطة والتوازنات.
وإذا لم تُبذل جهود جدّية لاحتواء هذا الاشتباك، فإنّ تداعياته ستنعكس حتماً على الاستقرار السياسي وقدرة الحكومة على اتخاذ قرارات مصيرية في مرحلة هي من الأكثر حساسية في تاريخ البلاد.