نشر موقع "tehrantimes" تقريراً جديداً تحدّث فيه عمَّن أسماهُ "قائد
حزب الله الخفي"، في إشارة إلى
الأمين العام السَّابق لـ"الحزب" الشهيد السيد هاشم صفي الدين.
ويقولُ التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" إنه "في النسيج المعقد للمقاومة
اللبنانية ، لم تتمكن سوى شخصيات قليلة من ممارسة نفوذها بهدوء وحسم مثل السيد هاشم صفي الدين"، وأضاف: "في حين كانت أنظار العالم غالباً ما تركز على المواجهات العسكرية العلنية لحزب الله، كان صفي الدين يعمل في الظل، ويصوغ البنية المؤسسية والاجتماعية والأيديولوجية التي سمحت للحركة بالصمود خلال عقود من الصراع والاضطرابات السياسية والاحتلال. لقد كان رجلاً لم تتحدد قيادته بالظهور أو الاستعراض، بل بالحكم الدقيق، والبصيرة الاستراتيجية، والالتزام الثابت بمبادئ المقاومة التي من شأنها دعم المجتمع الشيعي في
لبنان ومحور المقاومة الأوسع".
وأكمل: "وُلد صفي الدين عام 1964 في قرية دير قانون النهر، الواقعة في قضاء صور بجنوب لبنان، ودخل عالماً تأثر بثقل الاحتلال وإيقاعات صمود المجتمع. لطالما كانت هذه المنطقة، المعروفة تاريخياً بجبل عامل، بوتقةً للتعلم والتحدي الشيعي. غرست فيه عائلته، المتشبعة بالعلم الديني، شعوراً بالواجب تجاه المظلومين، وفهماً بأنَّ السلطة الأخلاقية تتطلب المسؤولية بقدر ما تتطلب التبجيل".
وأضاف: "تعززت هذه الدروس المبكرة بفضل مكانته كابن خالة السيد حسن نصر الله، الذي تقاطع مساره من الدراسات الدينية إلى القيادة الكاريزمية لاحقاً مع مسيرة صفي الدين في الإتقان الهادئ. ومنذ صغره، استوعب ديناميكيات جنوب لبنان المعقدة: وطأة الاحتلال، وضرورات التضامن الطائفي، وتشابك الإيمان مع المقاومة السياسية".
وأكمل: "اتسمت سنوات تكوين صفي الدين بتوازن دقيق بين السعي الفكري والانغماس في واقع مجتمعه. في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، ومع اشتداد الغارات العسكرية
الإسرائيلية والصراعات الأهلية في لبنان، شهد عن كثب نقاط ضعف شعبه. عززت هذه البيئة حسه بالهدف، وغذّت إيمانه بأن المقاومة الحقيقية تتطلب بنية تحتية وتعليماً وتماسكاً اجتماعياً، لا مجرد مواجهة مسلحة".
وأضاف: "في عام 1983، وفي سن التاسعة عشرة، تزوج ابنة السيد محمد
علي الأمين ، رجل دين شيعي مرموق، مرسخاً بذلك جذوره في شبكات القيادة الدينية والطائفية التي ستُثبت أهميتها طوال حياته. لم تكن هذه الروابط العائلية والمجتمعية عرضية، بل أصبحت الدعامة التي بنى عليها صفي الدين هياكل حزب الله المتينة".
وقال: "تجاوزت رحلته الفكرية حدود لبنان، فأخذته إلى حوزات النجف الأشرف في العراق، حيث انغمس في الفقه الإسلامي وعلم الكلام على يد علماء الدين. في النجف، لم يقتصر تعلّمه على الفقه فحسب، بل امتدّ إلى القيادة الأخلاقية، مُدركاً أن سلطة العالم لا تنفصل عن مسؤولية توجيه المجتمع وحمايته. بعد ذلك، سافر صفي الدين إلى مدينة قم في
إيران ، مركز الفكر الثوري الشيعي، حيث تعامل بشكل مباشر مع الإرث الأيديولوجي والعملي للإمام الخميني".
وتابع: "في قم، وصف صفي الدين انحيازه إلى النهج المبارك لولاية الفقيه ونهج الإمام الخميني بأنه شرفٌ وضرورةٌ استراتيجية، يعكس رؤيةً عالميةً لا ينفصل فيها المرجع الديني عن الاستراتيجية السياسية. وهناك، بنى علاقاتٍ مع العلماء والثوريين الإيرانيين، مستوعباً دروساً في الحكم والتنظيم الاجتماعي وأخلاقيات المقاومة، مما أثّر في قيادته المستقبلية".
واستكمل: "عند عودته إلى لبنان مطلع تسعينيات القرن الماضي، تولى صفي الدين دوره كسيد، مرتدياً عمامة سوداء تُميّز نسبه من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) واستعداده للربط بين السلطة الدينية والمقاومة العملية. انضم إلى حزب الله، الذي تأسس قبل عقد من الزمان عام 1982 خلال الاحتلال
الإسرائيلي لجنوب لبنان، وسرعان ما تميّز بمزيج من الفطنة والانضباط والحنكة التنظيمية. وبحلول أواخر التسعينيات، أصبح رئيساً للمجلس الجهادي لحزب الله، وانضم إلى مجلس الشورى، أعلى هيئة لصنع القرار في الحركة. كان صعوده سريعاً ومدروساً، مما يعكس قدرته على الجمع بين متطلبات الحكم وضرورات الأيديولوجية".
وقال: "في عام 2001، تولى صفي الدين قيادة المجلس التنفيذي لحزب الله، وهو منصبٌ استمر فيه لأكثر من عقدين. وبهذه الصفة، كان بمثابة رئيس الوزراء المدني للمنظمة، ومُديراً للعمليات اليومية عبر شبكة من المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية. كانت المستشفيات والمدارس وبرامج الدعم المالي ومبادرات إعادة الإعمار بعد الحرب، جميعها، من اختصاصه. كانت رؤيته واضحة وهي أنَّ الانتصارات العسكرية وحدها لا تكفي لاستمرار المقاومة؛ بل تتطلب بنية تحتية تغذي المجتمع، وتعزز قدرته على الصمود، وتعزز الولاء".
واستكمل: "خلال حرب الـ 33 يوماً في تموز 2006، نسّق صفي الدين العمليات اللوجستية، وضمن وصول المساعدات إلى المقاتلين والمدنيين على حد سواء، وحافظ على الروح المعنوية تحت ضغط شديد، مساهماً بشكل مباشر في تصوّر حزب الله لنصر استراتيجي على
إسرائيل . وبعيداً عن ساحة المعركة، أعادت مبادراته تأهيل المساكن والرعاية الصحية والمرافق التعليمية، مما عزز شرعية الحركة ورسّخها في نسيج المجتمع اللبناني".
وتابع: "اتسم أسلوب صفي الدين القيادي بالتواضع والانضباط والالتزام العميق بالحوكمة الأخلاقية. وخلافاً للقادة الذين ينجذبون إلى الشهرة العامة، كان يعمل بهدوء، مُركزاً على الجوهر لا على المظهر".
وأضاف: "تُذكّر قصة صفي الدين أيضاً بالتفاعل بين العائلة والأيديولوجيا والقيادة. إن ارتباطه بنصرالله، وتكوينه العلمي في النجف وقم، وارتباطه العائلي بشبكة المقاومة الإقليمية الأوسع، تُجسّد حياةً تشابكت فيها المصائر الشخصية والجماعية تشابكاً لا ينفصل. في نهاية المطاف، تُجسّد حياة السيد هاشم صفي الدين القوةَ الهادئة لإتقان المؤسسات في خدمة قضية. فبينما غالباً ما تُجسّد عناوين الأخبار دراما الصراع، يُذكّرنا عمله بأن أسس الصمود - الاجتماعية والتعليمية والثقافية والسياسية - هي الأساس الحقيقي الذي تدوم عليه الحركات".