آخر الأخبار

الاعتداء على أطباء لبنان: أزمة تضاعف الانهيار الصحي

شارك
تشهد الساحة الصحية في لبنان واحدة من أخطر الأزمات المتفاقمة، لا تقتصر على انهيار البنية التحتية ونقص المستلزمات الطبية وهجرة الكفاءات، بل تطال أيضًا الكوادر البشرية التي بقيت صامدة في المستشفيات. ففي الأشهر الأخيرة، ارتفعت بشكل ملحوظ وتيرة الاعتداءات الجسدية واللفظية على الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، لتكشف عن أزمة اجتماعية وأمنية وأخلاقية تهدد ما تبقى من منظومة الرعاية في البلاد.
في الايام الأخيرة، تعرض الدكتور "حمزة. ع" المعروف بـ "طبيب الفقراء"، لحادث مؤسف أمام عيادته في بلدة عدلون جنوبي لبنان. وفي التفاصيل، ركن أحد الشبان سيارته أمام مدخل العيادة متوجهًا إلى البحر، ما عرقل مرور المرضى والحالات الطارئة. وعندما طلب الطبيب من صاحب السيارة إزاحتها لتسهيل دخول المرضى، انفعل الأخير وصدم الطبيب وسكرتيرته عمدًا بسيارته، قبل أن يحاول تكرار فعلته، لولا تدخل الأهالي وتجمهرهم في المكان.
لم يعد خبر الاعتداء على طبيب طوارئ أو ممرض داخل المستشفى أو العيادة حدثًا استثنائيًا. فالمشادات التي تبدأ غالبًا مع ذوي المرضى تتحوّل سريعًا إلى اعتداء جسدي أو تكسير للمعدات الطبية، في ظل غياب شبه كامل للتدابير الأمنية.
لا شكّ أنّ الانهيار الاقتصادي المستمر منذ عام 2019 لعب الدور الأكبر في تفاقم هذه الظاهرة. فمع تدهور الخدمات العامة وغياب الثقة بالمؤسسات، بات المواطن يرى في الطبيب "المسؤول المباشر" عن مصير قريبه. كما أن غياب القوى الأمنية أو تقاعسها عن التدخل الفوري شجّع على الإفلات من العقاب.
إلى جانب ذلك، يسلّط خبراء علم الاجتماع الضوء على ثقافة العنف التي تسللت إلى المجتمع اللبناني نتيجة سنوات من الأزمات السياسية والأمنية. فالمستشفى، الذي يُفترض أن يكون ملاذًا للإنقاذ، تحوّل أحيانًا إلى ساحة غضب وانفجار.
نقابة الأطباء في بيروت ونقابة أطباء الشمال دقتا ناقوس الخطر مرارًا، مطالبتين السلطات باتخاذ إجراءات رادعة لحماية الجسم الطبي. فقد شددت النقابتان على أن استمرار الاعتداءات سيدفع المزيد من الأطباء إلى الهجرة، ما يفاقم النزيف الحاد في القطاع الصحي الذي خسر آلاف الكوادر خلال السنوات الأخيرة.
كما وجّهت النقابات رسائل إلى وزارة الداخلية بضرورة تأمين عناصر أمنية ثابتة في أقسام الطوارئ، معتبرة أن "كرامة الطبيب وحياته ليست أقل شأنًا من حياة المريض".
الخطوات المطلوبة التي لا بد من أن تتوفر لحماية الأطباء، فهي التشريع بقوانين حماية مخصّصة تجرّم الاعتداء على الأطباء كجريمة مستقلة، مع عقوبات رادعة.
كما أنه يجب تعزيز التواجد الأمني داخل المستشفيات خصوصًا الطوارئ وغرف العمليات، فضلاً عن تحديد المنشآت الصحية بوضوح كمرافق محميّة وفق المعاهدات الدولية، خصوصًا في حالات النزاع.
وتتعدى خطورة هذه الظاهرة حدود الحوادث الفردية. فهي تهدّد بشكل مباشر مستقبل مهنة الطب في لبنان، بعدما كان يُعتبر مركزًا إقليميًا للاستشفاء. إذ أن الطبيب الذي يشعر بعدم الأمان لن يتردد في البحث عن فرصة عمل خارج البلاد، حيث تُصان كرامته وتُحترم مهنته.
يعكس الاعتداء على الأطباء في لبنان الانهيار الشامل الذي يضرب كل مفاصل الدولة. وإذا لم تتحرك السلطات سريعًا عبر تشديد العقوبات ، وتعزيز الأمن في المستشفيات، وإعادة بناء الثقة بين المواطن والجسم الطبي، فإن النتيجة ستكون خسارة ما تبقى من أعمدة النظام الصحي. وحينها، لن يكون الخطر مقتصرًا على الأطباء وحدهم، بل على كل مريض يبحث عن أمل في الشفاء داخل وطن تتساقط مؤسساته واحدة تلو الأخرى.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا