آخر الأخبار

ظاهرة يعاني منها معظم اللبنانيين.. فهل تُبرَّر؟

شارك
في شوارع بيروت وسائر المدن اللبنانية ، تتجاور التناقضات بطريقة باتت شبه اعتيادية. مشهد مطعم فاخر يعجّ بالروّاد يقابله مبنى مظلم بسبب انقطاع الكهرباء، وحفل زفاف باذخ يليه صباح خالٍ من المياه والدواء. فكيف يمكن تفسير هذه المفارقة الصارخة؟ في بلدٍ غارق في أزمة اقتصادية خانقة، حيث انهارت العملة الوطنية، وتلاشت الطبقة الوسطى، وتجاوزت نسب الفقر نصف السكان، لا تزال مظاهر الترف والفخامة حاضرة في الحياة اليومية وكأنها واقع طبيعي لا يتأثر.
في لبنان اليوم، لا تُقاس الرفاهية بالواقع المادي بل بما يظهر على الشاشات، في وسائل التواصل الاجتماعي، في الأعراس، السهرات، والمشتريات. حقيبة يد باهظة الثمن، سيارة حديثة، عشاء في مطعم فاخر، أو حتى سفر إلى وجهة “نادرة” أصبحت أدوات للتعبير عن الذات، أو ربما للهروب من واقع مرير.
فهل هذه المظاهر مجرّد استعراض سطحي أم أنها انعكاس لحالة نفسية واجتماعية معقّدة؟ هل نحن أمام محاولة فردية وجماعية للهروب من اليأس؟
في هذا السياق، قالت المعالجة النفسية الدكتورة نادين مزهر"إن العديد من الأشخاص يستخدمون المظاهر كوسيلة لا شعورية للدفاع عن النفس، محاولة لتعويض شعورهم بالعجز وفقدان السيطرة على الواقع".
وأشارت مزهر الى "أن حين يشعر الإنسان أنه محاصر، قد يختار عقلياً تجاهل الواقع والعيش في حالة إنكار، وهذا ما نراه بكثرة في المجتمع، حيث يبدو أن جزءاً كبيراً من الناس يعيش كأن شيئاً لم يكن”.
أضافت: ينعكس التوتر النفسي والشعور بالفشل على صورة الذات، لذلك نجد البعض يسعى إلى تحسين هذه الصورة خارجياً، سواء من خلال اللباس أو الأماكن التي يرتادها.
وتابعت مزهر "في مجتمع يعتبر الفقر وصمة، يخشى الأفراد أن يظهروا بمظهر المحتاج أو العاجز، لذا يتعمّدون التظاهر بالعكس".
وأكدت "أن في بعض الأحيان، قد تصبح المظاهر الزائفة وسيلة للاستمرار في العيش، لإقناع الذات بأن كل شيء على ما يرام، ولو كان ذلك وهماً".
بدوره قال أستاذ علم الاجتماع فادي بعاصيري : “مع تآكل الطبقة الوسطى، يحاول العديد من اللبنانيين التمسّك بصورة اجتماعية سابقة، حتى لو أصبحت غير واقعية اقتصادياً".
وأكد بعاصيري "ان المنصات الرقمية لم تعُد مجرد أداة للتواصل، بل أصبحت مسرحاً للاستعراض الاجتماعي، حيث تُقاس قيمة الإنسان بما يُظهره، لا بما هو عليه".
وأشار الى "أن لا توجد في المجتمع اللبناني رموز أو نماذج تُعلي من قيمة البساطة أو التواضع، ما يجعل التفاخر خياراً اجتماعيًا آمنًا”.
من ناحيته، قال كريم مهدي وهو موظف في شركة خاصة : “في النهار أعمل بوظيفتين لأؤمّن احتياجاتي الأساسية، وفي الليل أرتدي أجمل ما عندي لأخرج مع أصدقائي. أحتاج أن أشعر بأنني ما زلت أعيش".
أضاف: “لا أريد أن ينظر إليّ أحد وكأنني مهزوم أو عاجز. لذلك أحرص على الظهور بشكل جيد، حتى لو اقترضت المال لذلك".
وأكد "أن أحيانًا المظهر يفتح لك أبواباً في الوظيفة، في العلاقات، وحتى في التعامل اليومي. إذا ظهرت بمظهر فقير، قد لا يعيرك أحد أي اهتمام".
وأوضح: "أشعر أحياناً أن حياتي الحقيقية لا تُهم، المهم هو ما أظهره في الصور. هذا الأمر بات مرهقاً، لكنه واقع مفروض".
في بلدٍ تتراجع فيه كل المؤشرات الاقتصادية، وتنهار فيه المؤسسات والخدمات، لا يزال الفرد اللبناني يتمسك بالمظهر كخط دفاع أخير ضد الانهيار الكامل. ظاهرة “التفشيخ” ليست دائمًا نتاج ترف أو أنانية، بل أحيانًا تعبير عن حالة داخلية هشّة، وعن حاجة عميقة لإثبات الذات أمام مجتمع لا يرحم.
لكن السؤال الأهم يبقى: هل يساعدنا هذا القناع في النجاة، أم أنه يؤخر لحظة المواجهة الحقيقية مع أنفسنا ومع واقعنا؟ وهل يمكن للبناني أن يتصالح مع فكرة البساطة دون أن يشعر بالإهانة؟
ربما يكون الوقت قد حان لنفهم أن الكرامة لا تأتي من المظاهر، بل من القدرة على الاعتراف بالحقيقة، والعمل على تغييرها.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا