لم يكن ليل الخميس عادياً على رئيس الحكومة نواف سلام، بل كان من أصعب الأوقات عليه، بعدما شهد بالعين التلفزيونية المباشرة على تمرّد بصري موصوف من "
حزب الله " عليه على صخرة الروشة.
في لحظة انفعال، قرر رئيس الحكومة إلغاء مواعيده ليوم الجمعة في السرايا، والاعتكاف احتجاجاً على ما حصل.وسربت أوساطه عبر وسائل الاعلام أنه طلب توقيف مسؤولي الجمعية المنظمة لفعالية صخرة الروشة، وذلك بعد أن تخللتها كلمات اعتُبرت "تحدياً لقرار منع إضاءة الصخرة".
وأشارت الأوساط إلى أنَّ سلام شدَّد على أن "إجراءات التوقيف يجب أن تشمل أيضاً كل من وجّه كلاماً يتحدى القرار الرسمي"، كما أوضحت أنَّ "المُهلة المعطاة للتنفيذ ليست مفتوحة بل محددة بفترة زمنية قصيرة".
وصباح أمس الجمعة، استيقظ رئيس الحكومة مدركا خطورة ما قرره في لحظة انفعال، فعزم على العودة الى السرايا بعدما "تنبّه" إلى أنه رئيس السلطة التنفيذية بموجب "دستور الطائف" ولا يجوز له الاعتكاف بل المبادرة الى عقد اجتماعات وزارية وأمنية لمعالجة ما حصل، وحتى الى دعوة المجلس الاعلى للدفاع باعتباره دستورياً نائباً لرئيسه ويمكنه دعوته الى الاجتماع في ظل وجود رئيس الجمهورية (رئيس المجلس الاعلى للدفاع)، في زيارة رسمية خارج
لبنان .
وقبيل انتقاله الى السرايا بعد الظهر، انشغل رئيس الحكومة باستقبال وزراء ونواب وشخصيات في دارته جاؤوا متضامنين معه.
وفي السرايا اجتمع رئيس الحكومة مع وزراء العدل عادل نصار، والداخلية أحمد الحجار والدفاع ميشال منسى، الذي كان استبق الاجتماع ببيان ناري رد فيه ضمناً على اتهام سلام الجيش بالتقصير في معالجة ما حصل في الروشة.
وأكد
وزير الدفاع أنَّ "كرامة عسكريي الجيش وضباطه الفخورين الجسورين الميامين تأبى نكران الجميل وتأنف التحامل الظالم وتأسف لالقاء تبعات الشارع على حماة الشرعية والتلطي وراء تبريرات صغيرة للتنصل من المسؤوليات الكبيرة".
وفي سبيل اكتمال صورة "العودة السريعة" عن الاعتكاف، رأس الرئيس سلام اجتماعا وزارياً تشاورياً حضره 17 وزيراً والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية.
وصدر عن الاجتماع بيان أشار الى أهمية تطبيق القوانين على جميع المواطنين من دون استثناء، وهو ما ترتب على الأجهزة الامنية مسؤولية كبيرة في تحقيق ذلك،
وذكر البيان أن "ما جرى بالأمس من مخالفة صريحة لمضمون الترخيص المعطى للتجمع في منطقة الروشة يدعونا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على هيبة الدولة وإحترام قراراتها".
"لبنان24" علم أن جهات غربية معنية بشكل مباشر بالملف اللبناني استغربت "الضجة المفتعلة منذ ايام على قضية لا تستحق هذا الاهتمام".
واعتبرت أنه "كان من الأجدى ترك احتفال الروشة يأخذ مساره من دون اعتراض بدل أحداث هذه البلبلة وزيادة التوتر في البلاد".
وشددت الأوساط على أنَّ "المرحلة تتطلب التركيز على
القضايا الأساسية وفي مقدمها موضوع بسط سلطة
الدولة على كل أراضيها بدل التلهي بقضايا صغيرة وهامشية".
أوساط معنية واكبت الاتصالات التي رافقت تحرك الروشة ليل الخميس، كشفت ان رئيس الجمهورية بقي على تواصل على مدار الساعة مع القيادة العسكرية، من مقر اقامته في نيويورك، حيث اعطى اوامر صارمة لقيادة الجيش وللاجهزة الامنية، لعدم وقوع اي صدام بين القوى المنتشرة على الارض والمشاركين في المناسبة. كما بقي رئيس الجمهورية على تواصل مع عين التينة لمتابعة الوضع سياسيا، ما ادى الى الخروج من الازمة باقل كلفة ممكنة.
اوساط مراقبة اشارت الى ان ما حصل يتطلب من رئيس الحكومة و"الحلقة الضيقة"المحيطة به مراجعة دقيقة للمواقف وضبطا للانفعالات، واداء يكون على مستوى دقة المرحلة وخطورتها.
كما ينبغي ان يشكل ما حصل رسالة وعبرة ل" حزب الله" بالابتعاد عن المعارك الصغيرة التي لا اثر فعليا لها في المعادلات السياسية والتركيز على المسائل الجوهرية بروح التعاون المسؤول وبعيدا عن نهج التعالي والمكابرة و"الانتفاخ".
وختمت الاوساط المراقبة بالقول: الجميع خرج خاسرا في هذه "الموقعة" التي اضاءت على واقع أليم لن يستقيم الا بالعودة الى روح التعاون المسؤول لتمرير اخطر مرحلة يعيشها لبنان واللبنانيون الذين بات الكثيرون منهم ، من شدة اليأس والضغوطات، يفكرون، وللاسف، في التوجه الى الروشة، لعل القفز عن صخرتها ينهي واقعهم المؤلم.