أطلقت وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، في احتفال أقيم في قاعة المسرح في الوزارة، في حضور
وزير الدولة لشؤون المهجرين والتكنولوجيا والذكاء الإصطناعي كمال شحادة، المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في
لبنان عمران ريزا،
المدير العام للتعليم العالي الدكتور مازن الخطيب، مدير التعليم الأساسي
جورج داود، مدير التعليم الثانوي خالد فايد، مديرة المديرية الإدارية المشتركة سلام يونس، مديرة الإرشاد والتوجيه هيلدا الخوري، منسق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الأب يوسف نصر وجمع من ممثلي المنظمات الدولية والإدارة والقطاع الخاص.
وقالت
الوزيرة كرامي من جهتها: "نجتمعُ اليومَ في لحظةٍ فارقةٍ من تاريخِ التعليمِ في لبنان. لحظةٍ نؤمنُ فيها أنَّ مستقبلَ التعليمِ يبدأُ من هنا ، من هذا المسارِ الجديد نحوَ التحوّلِ الرقمي.
هذه الاستراتيجيةُ ليست مجرّدَ وثيقةٍ تقنية،بل هي وعد وطني ورؤية جماعية لإعادة بناء التعليم بما يليق بأبنائنا، ويواكب التحولات العميقة التي يشهدها العالم.
لقد كان التعليم في لبنان دائماً منارة للصمود والإبداع، واليوم نحن مدعوون لأن نحوّل هذا الصمود إلى تجديد واستدامة، حتى يبقى التعليم الجسر الذي يربط حاضرنا بمستقبل أفضل.
لقد جاءت هذه الاستراتيجيةُ ثمرةَ عملٍ جماعيٍّ واسع، شاركت فيه وزارةُ التربيةِ والتعليمِ العالي،والمركزُ التربويّ للبحوثِ والإنماء،بدعمٍ من شركائِنا في اليونسكو ومبادرةِ التعليم لا ينتظر. وبمساهمةٍ فاعلة من المعلمين، و المدراء والطلاب، والأهالي، والخبراء.
هي إذًا ليست رؤيةً من فوق،بل هي نتاجٌ تشاركيٌّ يضعُ الإنصافَ والجودةَ والابتكارَ في قلبِ النظامِ
التربوي .ولا بدّ هنا من التوجّهِ بالشكرِ والتقدير،
إلى كلّ من أسهمَ في وضعِ الأسسِ الأولى لهذه الاستراتيجية،وعلى رأسِهم معالي الوزير السابق الدكتور عباس الحلبي،وإلى الفرقِ التي عملت بجدٍّ وإخلاصٍ من داخلِ الوزارة وخارجِها.
كما أتوجه بالشكر لكل شركائنا الدوليين EU, Germany and France عبر TREFالذين بمساهماتهم ارسوا الأسس لهذا الوعي الرقمي في الوزارة وما زالوا يقدمون الدعم لتحقيق التحول الرقمي.
ندرك جميعًا أنَّ وتيرةَ التطورِ التكنولوجي تتسارعُ على نحوٍ غيرِ مسبوق.
ما كان يُعدُّ خيالًا علميًّا قبل عامين فقط،أصبح اليوم أداةً عمليةً بين أيدينا.
من هنا، يجب حين نتبنى هذه الاستراتيجية ان نعتبرها استراتيجية حيّة،
قابلةً للتطويرِ المستمر،تستجيبُ للتغيراتِ السريعة، وتستبقُ
المستقبل .
إننا نتطلّعُ إلى الانطلاق إلى ما بعد ما نصت عليه هذه الاستراتيجية ، نحو أحدثِ التقنيات، في ظل التطورات التي تتبلور كل يوم مثل الذكاءِ الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، والذكاءِ الاصطناعي التفاعلي (Agentic AI)، لإعادة صياغةِ مفهومِ التعليم.
يمكننا اليوم أن نمكّن معلّمينا عبر “المساعد الذكيّ للمعلم”، ليساندهم في تحضيرِ الدروس وإنجازِ الأعمال الإدارية، فنحرّر وقتهم ليركّزوا على ما هو جوهري: تعليم أبنائنا. ويمكن أن يحصلَ كلُّ تلميذٍ على “مدرّسٍ افتراضيٍّ خاص”، يساعده وفقَ حاجاتِه، ويزوّد المعلّمين برؤى دقيقةٍ حولَ تقدّمِ طلابهم،وتوصياتٍ لدعمِهم.
بل إنَّ الذكاءَ الاصطناعي أصبح قادرًا اليوم على ابتكارِ أنشطةٍ قائمةٍ على الألعاب التعليمية، بحيث يتمكّن أيُّ معلّمٍ من تحويلِ درسه إلى تجربةٍ ممتعةٍ ومشوقة، تزيد من تفاعلِ التلامذة في الصفوف.
كلُّ هذه الأدوات،تتيح لنا الانتقالَ من الأنظمةِ التقليدية المعروفة بـ Learning Management Systems، إلى منصاتٍ أكثر تطورًا تحت اسم Learning Experience Platforms. ، نضعُ من خلالها الإمكاناتِ الكاملةَ للتكنولوجيا بين أيدي المعلّمين والمتعلّمين.
هذا هو العالمُ الجديدُ لتكنولوجيا التعليم، ويجب أن يكون لبنان حاضرًا فيه، لا متأخرًا عنه.
هذه الرؤية لا تقتصرُ على التكنولوجيا وحدها. إن جوهرَ التحدي أمامنا هو الفجوة الرقمية. ومن هنا فإن أهمية هذه الاستراتيجية أنها تدعو بوضوحٍ إلى تحقيق العدالة الرقمية، بحيث يتمكّن كلُّ طفلٍ في لبنان، أينما كان،
من الوصولِ إلى فرصِ التعلّمِ الرقميّ التي تفتحُ أمامه أبوابَ المستقبل.
العدالةُ الرقميةُ لم تعد ترفًا،بل هي شرطٌ لمواطنةٍ كاملة،وركيزةٌ أساسية لبناءِ دولةٍ جامعة تقومُ على المساواةِ والإنصاف.
إن هذه الاستراتيجيةَ هي ليست هدفاً تحقق إنما هي وعدٌ لكلّ طالبٍ وطالبةٍ في لبنان بأننا سنستثمرُ في مستقبلِهم.وهي أيضًا نداءٌ إلى جميعِ شركائنا المحليين والدوليين،للعملِ معًا لتحويلِ هذه الرؤية إلى واقعٍ حيّ.
إن عزيمةَ معلّمينا، وصمودَ طلابِنا، ودعمَ عائلاتِنا،هو ما يمنحُنا القوّةَ للاستمرار.وإن التزامَ شركائنا المحليين والدوليين المخلصين،هو ما يجعلُ هذه الرؤية قابلةً للتحقيق.
فلنجعل معًا من هذه الاستراتيجية حافزا للاستمرار في تطوير خريطةَ طريقٍ لتحوّلٍ رقميٍّ تربويّ،يضع لبنانَ في صدارةِ مسارِ التنميةِ المستدامة،ويؤسّس لتعليمٍ أكثر عدلًا وقدرةً على مواكبةِ العصر.
بهذا فقط نستطيعُ أن نضمنَ أن يبقى التعليمُ في لبنان،ليس مجرّد إرثٍ نفخرُ به،بل مشروعًا متجدّدًا يفتحُ أمام أجيالِنا
القادمة آفاقًا من الإبداعِ والتميّز".