أدى
نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس في طريق المطار، وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها :
"ايها الاخوة المؤمنون، ما زلنا نعيش اجواء ولادة الرسول الاعظم وحفيده الامام ابي عبدالله جعفر بن محمد الصادق ، ولما يمضي على حلول هذه الذكرى الخالدة سوى بضعة أيام، وهي ليست ذكرى عابرة ولا حدثا عاديا حتى يتم نسيانها او يكون الاهتمام بها اهتماما عرضيا فلكلورية كما يحدث غالبا من باب التمايز عن سائر الامم والتفاخر عليهم، كما يتفاخر الناس بعظمائهم ممن لا يرون لهم مثيلا في قدراتهم او مواصفاتهم الشخصية الاخلاقية والإنسانية، او انجازاتهم العلمية أو عطاءاتهم الفكرية ، ما يعطيهم قيمة ليست لدى الآخرين ما يعادلها بنظرهم، فهم انما يحتفلون بهم فقط من ناحية أنهم ينتسبون اليهم، ويُعدّون ذلك جزءا من شخصيتهم التاريخية القبلية او الوطنية، او من شخصيات امتهم التي ينتمون اليها انتماء جمعيا.
فهل تمجيدنا وتعظيمنا وتكريمنا لرسول الله ولكل
الانبياء والرسل، وخصوصا لأولي العزم منهم وللاوصياء من ال بيت رسول الله ص من هذا الباب، اي من باب تمجيد وتعظيم الذات، وان ننسب هذا المجد وهذه العظمة منهم الى الامة، كما هي العقلية القبلية فقط بسبب هذا الانتساب ولمجرد ان محمدا ص من قومنا ؟
بالطبع لا.. لأن الانتساب الى القبيلة او العائلة أو القومية بعلاقة الدم امر غير اختياري، ولا يصح ان يفتخر الشخص او القبيلة ان صح الافتخار، أو يمجد ويعظم نفسه ولا القبيلة ولا شعب ما ولا أمة ما بأمر، الا ان يكون فعلا له او لها وهو ليس كذلك، وإنما يكون التمجيد والتعظيم له، اما التمجيد والتعظيم للاتباع الذين آمنوا برسالته وعملوا بها وحملوها ودافعوا عنها ببذل الدماء وبالذود بالكلمة ، وبتحقيق الأهداف. اما الانبياء والاوصياء والشهداء فهؤلاء يستحقون التمجيد والتعظيم، تعظيما للقيم والفضائل التي التزموها وجسّدوها بأفعالهم واقوالهم وشهادتهم بالدعوة لها ونشرها والدفاع عنها كما فعل امير المؤمنين علي بن ابي طالب.
اولا لأن الله أحبها وأمر بها، وثانيا لانهم اشاعوها وكان لهم الفضل في سنّها، وثالثا لأنهم جاهدوا بألسنتهم وايديهم في سبيل تثبيتها وحملها كرسالة للامم ترتقي بوعيهم وتهتدي بهديهم ما دامت الحياة، فهي واحدة في اصول الاعتقادات ﴿ قولوا آمنا بالله وما أنـزل إلينا وما أنـزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما
أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ﴾ [ البقرة: 136]
الا ان محمدا ولأنه خاتم الانبياء والرسل، ولأن شريعته هي الشريعة الخاتمة قد نسخت ما قبلها من الشرائع واكملت ما قبلها من مكارم الاخلاق، استحق ان يكون افضلهم.. ﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾".
أضاف :"نعم، يحق لمحمد ان نمجّده ونعظّمه لما اتصف به من صفات واخلاق وقيم، كما مجّده الله تعالى وأيده في كتابه الكريم فقال فيه ما لم يقله في احد قبله ولا بعده فقال تعالى ( وانك لعلى خلق عظيم ). كما يحق لنا ان نفخر بانتسابنا اليه رساليا، لا لأنه من قومنا فقط. فكما نفتخر به، نفتخر بإيماننا بابراهيم وموسى وعيسى لأننا حين نفتخر بهم، إنما نفتخر بإيماننا برسالتهم وبنبوتهم وبحملنا لرسالة الاسلام وما جاء به من الاعتقاد الحق، وبالنور والهداية وبالقيم التي دعا اليها من اقامة العدل ومحاربة الجهل والظلم وتحريمه العدوان وارتكاب الفواحش، ما ظهر منها وما بطن واحترام الانسان وجعله التقوى ميزانا للتفاضل بين الناس، وأن أحبهم اليه انفعهم لعياله الذين هم الخلق كلهم ..
( الخلق كلهم عيال الله واحبهم اليه انفعهم لعياله)
وان لا فرق لعربي على اعجمي ونبذه التعصب وان ( لا فرق لعربي على اعجمي ولا لأبيض على أسود الا بالتقوى )، واحقاق الحق وابطال الباطل.. إلخ من قيم إلهية وانسانية ارساها بين الناس وبحبنا لوطننا، فحب الاوطان من الايمان فضلا عن ان من قتل في سبيل ماله وعرضه وارضه فهو شهيد، لهذا كله نحتفل بمولد محمد ص، لأننا آمنا بهذه القيم التي دعانا اليها، فآمنّا بالجنان وأقررنا باللسان وعملنا بالأركان، وكان اعظم العمل حين استشهد ابناؤنا واهلونا وضحينا بالمال والعمران دفاعا عن وطننا
لبنان ، ودفاعا عن كرامتنا وكرامة اللبنانيين، ونصرنا غزة نصرة لأبناء امتنا ونصرة للمظلوم، ووقفنا بوجه الغاصب والمعتدي من ابناء الصهاينة المعتدين والظالمين.. لم تأخذنا في الله لومة لائم كما يأمرنا ايماننا".
وتابع :"لذلك يحق لنا ان نحتفل بمولد محمد وان نعظّمه ونمجّده وان نفتخر به، فلم يكن ايماننا برسالته لقلقلة لسان بل استشهاد في الميدان. فنحن نحتفل بالشهادة اليوم في ظل التبرك بالولادة، فبوركت شهادتك اخي ايها السيد حقا يا ابا هادي، وبوركت شهادة السيد الهاشمي، وبوركت شهادة الشهداء على طريق القدس وشهادة كل شهيد يذود عن ارضنا وعرضنا على مدى امتنا، وفي المقدمة غزة في المعركة الفيصل بين الحق والباطل، بين الانسانية والهمجية، بين الساكت عن الحق، الشيطان الأخرس وبين الناطق بالدم دفاعا عن المظلوم، فهلا صدقت هذه الامة وقادتها الذين اجتمعوا في قطر، وهم يبدأون كلامهم بإسم الله والصلاة على رسوله في خطاباتهم ،هل يصدقون بقرن الأقوال بالأفعال على وهنها، وقد سبقت احتفالاتهم بمولد الرسول قمتهم".
وسأل : أين انتم من الاسلام وحُرمكم تهتك ودماؤكم تسيل واعراضكم تنتهك واطفالكم تضوروا جوعا واكبادهم عطشى وحرى، فإلى الله المشتكى وعليه المعول في الشدة والرخاء يا أمة الملايين. فهل من قلة في العدد او في المدد، فقد كثّركم الله واغناكم وامدكم، فلماذا انتم اليوم كثرة كغثاء السيل تتسولون الإعانة من الأمم، فيما انتم غير قاصرين عن المبادرة في العمل؟. فلم تقطعوا علاقة اقمتموها مع عدوكم ولا اقفلتم مرفقا فتحتموه لطائراته التي تقتل ابناءكم ، ولا للبواخر تحمل منتجاتكم الزراعية لتسد النقص الذي سببه ابطال اليمن، وقد طالت اعتدءات عدوكم عواصمكم، فإنا لله وانا اليه راجعون، واما الامة الساكتة فلا يحضرني فيها سوى قول السيدة زينب بطلة كربلاء في اهل الكوفة: يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر !! أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنة.
إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم.ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف ؟ والصدر الشنف ؟ وملق الإماء ؟ وغمز الأعداء ؟ أو كمرعى على دمنة ؟ أو كفضة على ملحودة ؟ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون"..
واستطرد الخطيب :أتبكون ؟ وتنتحبون؟ إي والله ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً. فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً. وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة ؟ ومعدن الرسالة ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجّتكم ، ومدرة سنّتكم ؟؟ألا ساء ما تزرون ، وبعداً لكم وسحقاً ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة. وَيلكم يا أهل الكوفة !
أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله فَرَيتُم ؟! وأيّ كريمةٍ له أبرزتم ؟! وأيّ دم له سفكتم ؟! وأيّ حرمةٍ له هتكتم ؟! لقد جئتم بها صَلعاء عَنقاء سَوداء فَقماء ، خَرقاء شَوهاء ، كطِلاع الأرض وملء السماء. أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى ، وأنتم لا تُنصَرون.
فلا يَستَخفّنكم المُهَل ، فإنّه لا يَحفِزُه البِدار، ولا يَخافُ فَوتَ الثار ، وإنّ ربّكم لبالمرصاد ».
وأكمل الخطيب : "اليوم تكررون فعل أهل الكوفة حين ترون ما يفعل العدو بغزة ولبنان، فلم يبق لأحد منكم حرمة ولا كرامة حين انتم تنتظرون العدو ليحتل عواصمكم واحدة تلو الاخرى ويذبحكم على فراشكم. وكان حال لبنان حالكم لولا مقاومته وجيشه وشعبه، اذ يقف صامدا امام العدو رغم قلة العدد، وهو يدافع ليس عن نفسه فقط ، وانما عن شرفكم وبلادكم ايضا وقصوركم، بينما يُحاصَرُ منكم قبل ان يٌحاصَرَ من اعدائكم ،ويُمنع من المساعدات لإعادة اعمار ما هدمه العدو إلا ان يُنزعَ سلاحه الذي يدافع عن شرفكم واعراضكم بقرار فرض على حكومتكم بغير شرعية وغير دستورية".
ونبه الخطيب الحكومة
اللبنانية و"هي تدرس الميزانية ان تجعل في اولوياتها اعادة الاعمار وعدم التذرع بقلة الامكانيات ، وان تنزع من رأسها موضوع نزع السلاح في وقت لا يزال العدو مستمرا في عدوانه على القرى والمدن اللبنانية في الجنوب والبقاع، وفي استمرار خرقه الاتفاق والقرار ١٧٠١ وفي توسعة احتلاله للأراضي اللبنانية، ومنع الأهالي من العودة الى قراهم التي هدمها ومنعهم من اعادة اعمارها، متذرعين باتفاق الطائف، فوالله ما اردتم
العمرة وانما اردتم الغدرة، وانما نحن نطالبكم بتطبيق هذا الاتفاق".
وقال :" لقد اخذتم القرار بحصر السلاح فخذوا القرار باستكمال تطبيق اتفاق الطائف، وستجدوننا اكثر التزاما من اي احد به. نحن الان نطالبكم بتطبيق اتفاق الطائف كاملا للخروج من هذه الدوامة التي صنعتموها، ونتمنى من الاخ الرئيس
نبيه بري ، كما سبق له أن فعل أكثر من مرة ، ان يُعيد طرح تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، كاختبار لهذا الادعاء، بعد اخذهم القرار بحصرية السلاح بيد الدولة بذريعة اتفاق الطائف وهو غير صحيح ،لان اتفاق الطائف يشرع المقاومة".
أضاف :"اما موضوع قانون الانتخابات ومحاولة تعديله، فقد ألمح بعض المطالبين بالتعديل، إلى أن القصد هو التمكن من انتخاب بعض نواب المسلمين الشيعة ليفرضوا على الطائفة الاسلامية الشيعية رئيسا من خارج ارادتها. لذلك نقول: طبقوا الطائف ولتجر الانتخابات وفقه، أما ان ترفضوا تطبيق اتفاق الطائف، ومن ثم تريدون ان تتمسكوا بالطائفية السياسية، إلا ما يتعلق بالطائفة الاسلامية الشيعية، فهذا دونه خرق القتاد، ولن يكون رئيس مجلس النواب، فرضا على هذه الطائفة، التي يحاول البعض التعامل معها على أنها طائفة مهزومة".
وختم الخطيب : "أيها الأخوة ، إننا على بعد أيام من الذكرى السنوية الأليمة، ولا يسعنا إلا أن نتذكر شهداءنا الكبار في هذه المناسبة ...رحم الله شهيدي لبنان والعرب والمسلمين، الشهيدين السعيدين، سيد شهداء الامة السيد حسن نصرالله والسيد الهاشمي وجميع الشهداء والشفاء العاجل للجرحى الشهداء الاحياء، والتحية لهم جميعا ولعوائلهم".