يشهد
لبنان في المرحلة الراهنة جملة من التطورات الدقيقة التي تعكس حجم الاشتباك السياسي والإقليمي على ساحته. فبعد نحو من عام من الضغوط المكثفة، يبدو أن
الأميركيين باتوا أكثر تمسكًا بتثبيت حضورهم في لبنان، ليس فقط من خلال المبادرات الدبلوماسية والسياسية، بل أيضًا عبر الاستثمار بما تحقق خلال الأشهر الماضية.
هذا التوجه الأميركي يُظهر بوضوح أن
واشنطن لا تريد الذهاب بعيدًا في خيارات قد تهدد الاستقرار الداخلي، إذ أصبح واضحًا أن المخاطرة بانفلات الوضع قد ترتد سلبًا على مصالحها، وهو ما دفعها إلى فرملة وتيرة الضغط المباشر على "
حزب الله " والانتقال نحو مستوى جديد من المواجهة معه.
فالمتابعون لمسار السياسة الأميركية في لبنان يلمسون أن ما تحقق في الفترة الماضية يُعدّ إنجازًا مهمًا من وجهة نظر واشنطن، سواء على صعيد إضعاف بيئة الخصم سياسيًا وإعلاميًا، أو على صعيد ترسيخ قنوات دعم لحلفاء محليين وإقليميين.
لذلك، لا تبدو
الولايات المتحدة مستعدة للتضحية بهذه المكاسب عبر خطوات متسرعة قد تفتح الباب أمام فوضى شاملة في الداخل اللبناني. بهذا المعنى، فإن واشنطن تتعاطى مع لبنان كملف قابل للاستثمار
الطويل الأمد، وتضع خطتها على أساس معركة طويلة الأمد مع "حزب الله"، لا مواجهة سريعة أو
صدام مباشر.
هذا التوجه الأميركي يعني أن لبنان مقبل على مرحلة من “الستاتيكو” السياسي والأمني، حيث ستبقى الضغوط حاضرة لكن بوتيرة محسوبة، تسمح بإبقاء الحزب تحت الضغط المستمر من دون تفجير الوضع بشكل كامل. وبذلك، يمكن القول إن الأميركيين يعملون على ضبط إيقاع المعركة، بحيث تبقى أوراق الضغط فاعلة ولكن من دون أن تتحول إلى فوضى تتجاوز حدود السيطرة.
من جهة أخرى، يبدو أن هذا
الإيقاع سيظل قائمًا حتى موعد الاستحقاق الانتخابي المقبل، الذي تراهن واشنطن على أن يشكل فرصة جديدة لإعادة ترتيب التوازنات الداخلية عبر صناديق الاقتراع.
فالانتخابات بالنسبة للأميركيين محطة أساسية لاختبار حجم نفوذ القوى المحلية، وفرصة لاستثمار المناخات السياسية التي جرى بناؤها في المرحلة السابقة.
وعليه، فإن لبنان اليوم يعيش على وقع معادلة أميركية جديدة: لا تراجع عن الحضور والاستثمار بما تحقق، ولا اندفاعة نحو مغامرات غير محسوبة قد تهدد الاستقرار. معركة طويلة مع "حزب الله"بوسائل سياسية وإعلامية واقتصادية، ولكن من دون الانزلاق إلى انفجار شامل. وهذا ما يجعل الأشهر المقبلة مرحلة مراوحة دقيقة، تُدار فيها اللعبة بانتظار الانتخابات، حيث سيُعاد رسم الخطوط العريضة للمواجهة المقبلة.