كتب الصحافي والمحلل السياسي داود رمال:
في بلد كلبنان، بات الاعتداء على الكرامات فعلا يوميا مستسهلا، والاتهامات جزافية تُرمى على الناس من دون بيّنة، لا لشيء سوى للتشهير والابتزاز. مرض خطير ينهش ما تبقى من مناعة المجتمع، حيث صار البعض يتقن صناعة ملفات وهمية غايتها تصفية حسابات رخيصة واستدرار مكاسب مالية أو سياسية. في قلب هذا المشهد القاتم جاءت الحملة الظالمة على
الرئيس نجيب ميقاتي وشقيقه رجل الأعمال الحاج طه
ميقاتي ، لتكشف مستوى الانحدار الذي يمكن أن يبلغه البعض حين يختارون التشهير بالناس بدل قول الحق.
لست هنا في معرض الدفاع عن أحد، لكن المستفز حقا هو هذا التغول في الوقاحة إلى حدود لا يمكن السكوت عنها. فما أعرفه، وما يعرفه عشرات لا بل مئات من الصحافيين والصحافيات والمثقفين والفاعلين في الشأن العام، أن الشقيقين ميقاتي قدما في السر ما يندر أن يفعله كثيرون في العلن. حالات إنسانية لا تحصى: أيتام وجدوا من يعيلهم، مرضى تقطعت بهم السبل فوجدوا من يمد لهم يد
العون ، زملاء في المهنة رحلوا وقد تكفلت مساعداتهما بأسرهم، وآخرون لا يزالون بيننا نسأل الله لهم الشفاء. والأكثر أهمية المنح التعليمية التي وُهبت لمئات الطلاب والطالبات المتفوقين، ممن لولا تلك الأيادي البيضاء لضاعت مواهبهم في مهاوي العوز واليأس. أما "جمعية العزم والسعادة الاجتماعية"فحدّث ولا حرج عن حجم ما تقدمه للمجتمع على مستويات شتى.
كل ذلك كان يتم بصمت وبعيدًا عن الأضواء، التزامًا بروح قوله تعالى: "إن تُبدوا الصدقات فنعِمّا هي وإن تُخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم" [البقرة: 271]. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله… ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه." هذه هي المدرسة التي سار عليها
نجيب وطه ميقاتي: عمل الخير بصمت، بعيدًا عن الرياء والمباهاة.
فلماذا الحملة إذن؟ ربما لأن ما يغيظ المتحاملين أن الرئيس
نجيب ميقاتي امتلك الجرأة الوطنية في أحلك المراحل، فشكّل ثلاث حكومات في مفاصل بالغة الخطورة من تاريخ
لبنان الحديث. استطاع بحكمته وحنكته ووسطيته أن يقود السفينة وسط العواصف، وينتشل لبنان من فوهة البراكين إلى واحات الاستقرار والحوار، حين كان غيره يهرب من المسؤولية. تلك التجربة وحدها تكفي لتفسير ضراوة الحملات عليه وعلى شقيقه: إنها حسابات سياسية رخيصة وغيرة مقيتة من إنجازات لم يجرؤ الآخرون على خوضها.
إنّ من يحاولون تشويه صورة الشقيقين ميقاتي، يتجاهلون أن الناس لا تُخدع طويلا، وأن التاريخ لا يُزوَّر بأقلام حاقدة. يبقى الخير شاهدا، وتبقى المروءة أثقل من كل الشائعات. ولعلّ أجمل ما يقال هنا هو قول الله تعالى: "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" [الرعد: 17]. لقد اختار نجيب وطه ميقاتي أن يمكث فعلهما النافع في الأرض، وأن يتركا بصمة لا تُمحى في حياة الناس. أما الزبد، فمصيره الزوال مهما علا صوته.
ختاما، الحملة الظالمة لن تنال من حقيقة يعرفها كل من خبرهما: أن في
هذا البلد رجالًا يؤمنون أن الخير واجب، وأن الوطن مسؤولية، وأن الكرامة لا تُشترى ولا تُباع. وحين يقف البعض عند أبواب الافتراء والابتزاز، يظل الخير الذي يُصنع بصمت أبلغ رد وأسمى شهادة.