ماذا يعني قول الرئيس
نبيه بري فور تبّلغه موقف الحكومة بعد عرض خطّة الجيش عن حصرية السلاح بأن "الأجواء المسمومة قد زالت"، مع أنه لم يكن بعيدًا عن هذا المخرج التكتيكي، إن لم نقل بأنه كانت له فيه بصمات واضحة؟
هذا الموقف لأكبر سياسي، عمرًا (الله يطّول بعمره) وخبرة، من بين الرؤساء الثلاثة، يدّل على أن الفاصل الزمني بين 5 آب و5 أيلول كان بمثابة الجدار الفاصل بين المكونات
اللبنانية ، التي تعارضت مواقفها بين الذين أيدّوا القرار الحكومي بنسبة مئة بالمئة، وبين الذين رفضوه رفضًا مطلقًا. وبين هذين الموقفين المتعارضين، شكلًا ومضمونًا، شهدت البلاد شهرًا من شدّ الأحزمة السياسية على خلفية ما يمكن أن يستجدّ على أرض الواقع من تطورات أمنية غير مطمئنة، مع ما تمّ تسجيله من مواقف تصعيدية من كلا الطرفين. وقد يكون ردّ المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان على كلام رئيس حزب "
القوات اللبنانية " الدكتور سمير جعجع عن تمييزه بين "
حزب الله " العسكري وبين الطائفة الشيعية عينّة من بين الكثير من العينّات كمؤشرّ لما يمكن أن تكون عليه المرحلة، التي ستلي الموقف الحكومي، في انتظار استكمال الجيش المرحلة الأولى من بين المراحل الثلاث تنفيذًا للخطة، التي وضعها، والتي راعى فيها مواقف جميع الأطراف.
وبهذا المخرج الذي أعدته قيادة الجيش بالتنسيق التام مع القائد الأعلى للقوى المسلحة الرئيس العماد جوزاف عون، وبطبيعة الحال مع مهندس تدوير الزوايا الرئيس
بري ، استطاعت الحكومة أن تسير بين النقاط الساخنة، ولكن من دون أن يعني ذلك أن عقدة تسليم "حزب الله" لسلاحه قد حُلّت مئة بالمئة، سواء في المنطقة الواقعة جغرافيًا جنوب نهر الليطاني أو في المنطقة الفاصلة بين نهري العاصي والأولي في المرحلة الثانية، وتاليًا في كل
لبنان .
فموقف "حزب الله" لم يتغيّر لا قبل 5 أيلول ولا بعده. فهو يرفض تسليم سلاحه ما لم يضمن بأن
إسرائيل ستنفذ من جهتها ما هو وارد في القرار 1701 وفي اتفاق وقف إطلاق النار. وهذا الموقف عبّر عنه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أكثر من مرّة. وهذا ما كررته كتلة "الوفاء للمقاومة" في أكثر من بيان. وهذا ما سبق أن حدّده النائب علي فياض في كلمة له في مجلس النواب. فشرط "حزب الله" لتسليم سلاحه بات معروفًا، وهو يؤكد أنه لن يسلّم رقبته لأحد ما لم يضمن أولًا بوقف إسرائيل اعتداءاتها المتواصلة منذ 27 تشرين الثاني الماضي حتى اليوم، وبانسحاب جيشها من كل شبر لا يزال محتلًا، وأن تعيد جميع الأسرى والمخطوفين، وأن يعاد بناء ما هدّمته حكومة العدو في حربها التدميرية، مع ضمانات أممية مستقبلية لعدم تكرار تل أبيب القيام بما قامت به من اعتداءات منذ اليوم الأول لاغتصاب الأرض
الفلسطينية حتى الأمس القريب.
وهذه الشروط أخذتها الحكومة في الاعتبار حين ربطت ببيانها بين عملية حصر السلاح وبين موافقة جميع الأطراف، أي لبنان وإسرائيل وسوريا على ما ورد في الورقة الأميركية كشرط لازم لتحقيق ما يصبو إليه جميع اللبنانيين بمن فيهم بيئة "الثنائي الشيعي" من أمن واستقرار وسلام دائم قائم على العدالة وحقّ الشعوب في تقرير مصيرها ومستقبلها.
وبهذه الروحية، التي صيغ بها البيان الحكومي دخل الوضع جنوب الليطاني مرحلة جديدة، مع وضع خطة الجيش موضع التنفيذ، لمنع السلاح بصورة نهائية، بما يضمن سيطرة وحدات الجيش في مختلف النقاط الاستراتيجية، وتعزيز التواجد على المعابر، ومنع دخول السلاح الى المدن والقرى جنوب النهر، في إطار الخطة التي رحب بها
مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي.
أن الساعات الثماني والأربعين التي اعقبت هذه الجلسة حفلت باتصالات على قدر عالٍ من الأهمية داخلياً وخارجياً تخللتها توضيحات وضعت حداً للغط المتعمد الذي أعقب الجلسة وصوّر الامور بما يخدم توظيف "حزب الله" للمرونة الميدانية التي تركت للجيش وكأنها تراجع عن قرار حصرية السلاح. ووفق معلومات إعلامية فإن ما انتهت إليه قرارات الجلسة بعد عرض قائد الجيش للخطة العملانية يثبت مهلة ثلاثة أشهر لإنجاز حصرية السلاح بالكامل في منطقة جنوب الليطاني، وفي الوقت نفسه، وهنا أهمية الأمر، يتولى الجيش في كل المناطق اللبنانية خلال هذه المهلة إياها منع أي حمل أو أي نقل للسلاح وفق آلية احتواء السلاح. بذلك ستكون المرحلة الأولى منطلقاً لحصرية السلاح وتنظيف جنوب الليطاني أي قبل شهر واحد من نهاية السنة، ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية ما بين جنوب الليطاني والأولي وتباعاً المراحل الأخرى.
هذا السيناريو يبقى نظريًا ما لم يتلقَ "حزب الله" إشارات ضامنة. وهذا ما تم بحثه، على الأرجح، بين الرئيسين عون وبري أمس. وأعقب هذا اللقاء زيارة العماد هيكل لعين التينة.