آخر الأخبار

المثقف اللبناني ومسؤولية الغياب..! هل يخرج صوت ثالث ليذيع بيان الحضور اللبناني الجديد ؟

شارك
كتب الوزير السابق جورج كلاس: سليماً وإقرارًا بخطورة واقعٍنا اللبناتي المأزوم ، فإن الاحوال السياسية الراهنة، هي من أخطر أيِّ زمنٍ مرَّ على هذا البلد . فالصعاب تتوالى، والنكسات تتناسل، والإحباطات تتكاثر، والمثقفون اللبنانيون غائبون ومستقيلون من مسؤولياتهم، أو انهم خائفون من أرائهم حدَّ الإرتعابِ المُنظَّم وغير المُبَرَّر من إتخاذ موقف جريء من الأخطار المحدقة بمصير لبنان الجامع ، أي الحرص على كرامة و كيانية كل جماعة لبنانية ، من دون مفاضلة و لا إستهداف و لا إستضعاف، إنطلاقاً من ان سلامة الكل هي من سلامة الجزء .
إن دقة الحالة الراهنة و الكثيرة التشظيات الإنشطارية ، تستدعي الكثير من اليقظة و التنبّه الى ما يُحاكُ للبنان من حروب و فِتَنٍ، ومن قَتْلٍ لإرادة الحياة،و تجهيلٍ للكيانات الثقافية التي أمسى دعاتُها رهائن لدى ( الابواب العالية ) التي يحمل مفاتيحها ولاةُ كثر ، و تتحكم بقراراتها مرجعيات أممية ذات مقاصد مأربية و اهداف مستورة . وهذا ما يطرح إشكاليّة دور المثقف اللبناني و غيابه في هذا الزمن المشحون بجرائم التدمير المنهجي لكلّ المعالم الحضارية والتاريخة والمتنكِّرة لأَيِّ حِسٍّ قومي و شعورٍ إنتمائي صريح .
ولعل من اكثر الامور حضوراً في الواقع المأزوم، في هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها لبنان اليوم، هو مأزقيّة المثَقّف الذي غاب و غُيِّب و إختبأ خلف الحيادية ، ما يؤشّرٌ بقوة الى حالة التردّي والانحدار التي وصل اليها مجتمعنا الفكري، بكلِّ إتجاهاته وانتماءاته وأهوائه ، السياسية والغرائزية المُوَظّّفة لخدمة مستقبلٍ مجهول ، و ممنوع أَنْ نعرف عنه شيئاً ، وفق مقتضيات سِرِّ الطبخات السياسية التي تُعَدُ لنا . و المثقفون ، إما انهم خائفون و إِمّا نيامٌ أَوْ مُخَدَّرون او جبناء إستراتيجييون .
لقد كان لافتاً جداً أن يغيب المثقفون ، وان تختفي ادوارهم عن الساحة، في زمن الأزمات المتناسلة والتي تتكاثر بشكلٍ مضطرد ومن دون أُفُقٍ ، نظراً لخطورة الوضع المتفجّر والذي بدأت تداعياته تتخطى الساحات السياسية الى مساحات أخرى. فهل يتحمّل المفكرون والمثقفون اللبنانيون مسؤوليةً، وَلَوْ شكلية، عن تنامي الأزمة الناتجة عن موضوع سيادي ، و تكاثر المزايدات حوله ؟ وهل يعي بعض المندفعين ، ان الشعارات التي يصدحون بها في الساحات ومن على المنابر، هي شعاراتٍ صادقة ، لكن ثمة مَنْ حوّلها أشكالًا لفظية جوفاء ومفخّخة، تحمل بطيّاتها مؤامراتٍ مُتْقَنةَ الإخراج، بهدف قذف المجتمع اللبناني الى الهاوية القاتلة؟
ان مراجعة بسيطة لبانوراما الأحداث و الإرتجاجات السياسية و الامنية التي لا تزال تعصف ببعض اوضاعنا ، تشير الى ان منسوب اهتمام الطبقة المثقفة بالاحداث الاليمة والمفجعة، لم يكن على المقدار المطلوب والمأمول و الواجب ان يكون ، خصوصاً وان حالات الاعتراض على الأوضاع الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية ، لم ترقَ الى مطلبيّاتٍ صلبة، يُبنى عليها. بمعنى ان ( الاعتراض الثقافي ) ترك مطرحه للمزايدات المصلحية الفئوية ، التي يتمّ إستثمارها لتقويض أركان مكانة الحصن اللبناني ، الذي كان يعيش حالات من الهدوء والاستقرار و التوافق ، إن لَمْ نَقُلْ الرخاء الجزئي . وليس في ذلك أيُّ محاباة أو مبالغة، سيّما وان تدهور الاحوال السياسية الى حد مهاور الخطر ، و بهذه الطريقة المأسوية، ترك الكثير من الانطباعات السيئة في وجدان كل مواطن صادق حرٍ رافض لإطلاق أحكامٍ مُبرَمة وغير مرتدّة، تدينُ بشدّة إستقالة المثقف من دوره، وهروبه من واجباته، وتعتبره (مارقاً) من المواطنة، وخائفاً أو خَجِلاً من هُويَّته !
هذه الانطباعات المؤذية شعورياً وقومياً، تجعلنا في حالة دائمة من التساؤل عن أسباب غياب هذا المثقف، كتابةً وتفكيراً وقولاً وحراكاً، عمّا يحدث في بلدنا الذي أضحى مخطوفاً ورهينةً للمؤامرات والمخططات السوداء التي رسمتها دوائر القرار الخارجي للمنطقة، والتي في أُولى إستهدافاتها، ضربُ التعايش، وتقويض فرص التلاقي والحوار بين مكوّنات المجتمع اللبناني ذي التكاملية الحضارية والدينية والثقافية بتكويناتها التوفيقية و دورها الوفاقي .
فهَلْ إن الهدف الرئيس من التدامُر ، هو تشويه صورة لبنان ، والطعن بوجوديته و ضرورته الحضارية ؟ والى اي مدى يمكن لمهندسي المؤامرة أن يتمادوا في غيِّهم والإمعان بقتل إرادة المثقف و منعه من القيام بأي مبادرة إنقاذية ، كصوت ثالث يعلو فوق أصوات معسكر المطالبين بالإسراع بتنفيذ قرارات و معسكر المتمسك بموقفه ، كخوف إستراتيجي ، له تبريراته في زمن التبدلات و هندسة خرائط إفتراضية للمنطقة ؟
ثم اين المثقف من إستهداف حضارة الحرية و ثقافة السيادة ؟
واذا كانت بعض مركزيات السلطة الدولية ، تهدف الى تدجين أنظمة دول أخرى، لأهداف متداخلة و مصالح متقاطعة ، فلقد بات من حقّنا بل من واجبنا ان نسأل من حيثُ أننا ضحايا، عن دورنا في لزوم إنتاج حالة ثقافية تعترض بقوة على الوضعية المُذرية التي نعيشها، ونتعايش معها على وقعِ التخاذل وقبول الأمر الواقع.
وهذا من أبسط الأدوار الوطنية المنوطة بالمثقف الذي أغلق عينيه عن المجازر التي تُنَفّذُ بحقِّ المواطنين ، وأطبقَ فَمَه على كلمة الحقّ المفروض ان يقولها جَهْرًا و رفضاً لمقايضة الدم بالإعمار .
لقد كشف الاعلام ضموراً وقصوراً واضحين في عملية تظهير دور المثقفين وغيابهم عن ساحة الواقع المأزوم، بدليل ان اعلام القضايا ، خلَا تماماً من الكتابات الفكرية والنقدية التي تحمل وجهات نظر محوريّة وذات ثقلٍ معرفيٍ، وتتعرّض للاوضاع الضاربة في احوال شعبنا و مصيرنا كوطن و جماعات نخبوية ، لا أقلياتٍ جمعتها الصدف التاريخية في كيان جغرافي غناه بكثرة الديموغرافيات ، و ضعفه بتعدد الولاءات .
والسؤال الأهمّ في هذا الإطار، عن مسؤولية الاعلام الفكري و التنويري بالتوازي مع مسؤولية المثقف نفسه، في عملية الغياب عن القيام بدورٍ فاعل وتغييريّ في مجال التفاعل المطلوب وجوده بين المثقف وقضايا الوطن؟
و كيف نبرر للمثقف اللبناني عدم تصديه لحالات الانهيارات و السيناريوهات التي تهدد وجوده ؟ و لماذا لا يتجاسر و يطرح مبادرة عقلانية لحل التشابك السياسي الحاد قبل ان يتحول الى خطر الاشتباك ؟
و الى حين ان يستعيد المثقف دوره الطليعي بالتصدّي للمؤامرات التي تستهدف حضوره، يبقى السؤال المركزي عن الجدوى المنتظرة من إعلامٍ حُرٍّ ، في الإسهام بصناعة او بإعادة انتاج الحرية في مجتمع أضاع إبرة البوصلة و تتوفر فيه كاملُ شروطِ التباينِ والإنقسام والنزاعاتِ الموصوفة لأن يقذفه الوضع الى مهاوي التفتيت و الشعور بذليَّةِ وضع اليد و الاستقواء .
كل اللبنانيين يؤمنون ان خيارهم هو الدولة الراعية و الحامية و الضامنة . و كلنا نعي و نرفض مخاطر مواجهة قرارات الدولة ، بمعزل عن ظروف اتخاذ القرار و احترام الميثاقية فيه . لكننا ندرك جيداً أيَّ تحديَّاتٍ قد يواجهها كل اللبنانيين إِنْ لم يتم الاتفاق على إيجاد منافذ طوعية لتنفيذ قرارات الحكومة و الالتفاف حول كلمة الدولة ، من اجل سلامة المواطنين و دعم هيبة الحكم و تحصين سيادة سلطتنا و حكمة المسؤولين و تدعيم حرية تحملها مهام تاريخية في هذه الظروف الاستثنائية و الشديدة التهديد للتضامنية اللبنانية ، التي هي جوهر الكيانية اللبنانية و روحيتها الرسالية .
فهل يخرج الصوت الثالث ليذيع ( بيان الحضور اللبناني الجديد) رأفة بلبنان و إنقاذاً للكيان ، و إحتراماً لكرامات الوطن ، حيث كرامة الجزء من كرامة الكل ، و كرامة الكل من كرامة الجزء ؟
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا