لم يفهم
لبنان الرسمي والشعبي الموقف الأميركي الرافض من حيث المبدأ تمديد ولاية قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، التي انتُدبت بموجب القرارين الصادرين عن
مجلس الأمن الدولي 425 و426 العام 1978، أي قبل 47 سنة.
فهذه القوات يتمّ التجديد لها سنويًا وللمرة السادسة والأربعين على التوالي، وهي أصبحت بفعل وجودها التقني والرمزي في أكثر من منطقة جنوبية جزءًا لا يتجزأ من النسيج اللبناني بنسخته الجنوبية، وذلك لما نشأ بينها وبين أهالي الجنوب من علاقة ودّ واحترام متبادلين باستثناء بعض الحوادث، التي تعرّضت لها هذه القوات، ولا تزال، كترجمة على أرض الواقع من قِبل "
حزب الله "، الذي يريد من خلال بعض الأعمال المخّلة بالأمن والمنسوبة إلى الأهالي، توجيه رسائل مباشرة إلى المجتمع الدولي عن تلكؤ هذه القوات بالقيام بالدور المطلوب منها لجهة الوقوف في وجه الاعتداءات
الإسرائيلية المتكرّرة، والتي لم توفّر بهذه الاعتداءات خلال الحرب الأخيرة عددًا من مقرّات "اليونيفيل"، وبخاصة المقر
الرئيسي في بلدة الناقورة.
لقد انتدب مجلس الأمن هذه القوات لتأمين الانسحاب
الإسرائيلي الكامل وإعادة الاستقرار إلى الجنوب اللبناني، ومساعدة الدولة
اللبنانية على بسط سلطتها في المنطقة الخاضعة لنفوذ هذه القوات، التي بقيت، وعلى رغم التحولات الكبرى التي شهدها لبنان والمنطقة منذ ذلك التاريخ، حاجة لبنانية لا غنى عنها، خصوصاً في لحظات التأزم والاحتقان على الحدود.
صحيح أن قوات "اليونيفيل" لا تملك عصا سحرية لنزع فتيل النزاع أو لتغيير قواعد الاشتباك التي كانت سائدة على مدى سنوات، وقبل أن تنتقل
إسرائيل إلى حرب مواجهة مفتوحة مع "حزب الله" منذ ما يقارب السنة تقريبًا، وذلك بحجة أنه ساند فلسطينيي غزة في الدفاع عن وجودهم. ولكن الصحيح أيضًا أن هذه القوات تبقى الضمانة الدولية الوحيدة لعدم تحويل الجنوب إلى ساحة سائبة أكثر مما هي عليه اليوم، حيث تُصفّى فيها الحسابات الإقليمية بين إسرائيل وإيران.
وعلى رغم عدم فهم لبنان للموقف الأميركي، فإن أكثر من مصدر ديبلوماسي يؤكد أن هذا الموقف من التمديد لقوات "اليونيفيل" ليس جديدًا، إذ أن
واشنطن كانت دائمًا سلبية أو متردّدة في أكثر من محطة. فهذه القوات بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، سواء كانت ديمقراطية أو
جمهورية ، هي قوات "لزوم ما لا يلزم"، لأنها أثبتت عجزها في منع "حزب الله" من الانتشار في المناطق، التي كانت تُفترض أن تكون خاضعة لسيطرتها ونفوذها. وقد دفع هذا العجز "الحزب" إلى التمدّد ميدانيًا، وإلى إقامة ترسانته الحربية "على عينك يا تاجر". وهذا الأمر ساهم في جعل دورها أقرب إلى المراقب السلبي.
وفي لحظة لبنانية هي الأصعب، حيث الحدود بين لبنان وإسرائيل غير مستقرّة، تختار
الولايات المتحدة أن ترفع عصا التحفّظ والصغط المالي في وجه التمديد لهذه القوات، وهي تعرف قبل غيرها أنها ليست طرفًا في النزاع القائم، بل هي بمثابة مظلة استقرار دولية. ومع ذلك تتعامل معها كأنها عبء عليها أو ورقة مساومة في لعبة شدّ الحبال مع "حزب الله".
في المقابل، فإن لبنان، الذي يعيش مرحلة قد تكون الأخطر منذ سنوات طويلة. فحدوده الجنوبية مفتوحة على احتمالات التصعيد، فيما الاستقرار الداخلي هش والفراغ السياسي يتعمق. في مثل هذا الظرف العصيب، يصبح وجود "اليونيفيل" ضرورة لا ترفاً، لا سيما وأنها تؤدي دوراً مزدوجاً: فهي أولاً عنصر توازن ورسالة ردع لإسرائيل، وثانياً سند ميداني للجيش في ضبط الأرض واحتواء التوترات.
فإذا كانت واشنطن حريصة حقاً على استقرار لبنان ومنع انزلاقه إلى الفوضى، يُفترض أن تكون أول الداعمين للتمديد لهذه القوات وتفعيل صلاحياتها وتزويدها بالإمكانات اللازمة.
أمّا موقف لبنان من هذه القوات فهو يتمثّل برفضه أن تكون موضع مساومة أو ورقة ضغط، بل يعتبر وجودها في هذه المرحلة الدقيقة والعصيبة حاجة سيادية وضرورة وطنية.
وفي هذا الإطار كُشف ان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون قدم مطالعة سياسية – امنية امام الوفد
الاميركي ، شرح فيها الحاجة الى التمديد لـ "ليونيفيل" من دون تغيير في مهامها وعديدها، انطلاقًا من عدة اعتبارات اولها ان الجيش يستكمل انتشاره في الجنوب، وهو في حاجة الى دعم تلك القوات ووجودها، وثانيًا وجودها يمنح القرار 1701 الرعاية الدولية المطلوبة، وثالثًا، حاجة المواطنين في تلك المنطقة الى الخدمات الاجتماعية والصحية والانسانية التي تقدمها قوات "اليونيفيل"، خصوصًا في ظل الدمار الذي خلفته الحرب الاخيرة، وتعثر عمليات اعادة الاعمار.