آخر الأخبار

الورقة الاميركية مرّت من دون نقاش فعلي والجيش في عين العاصفة!

شارك
زيارة الموفد الأميركي توم براك إلى بيروت لم تمرّ كأي زيارة دبلوماسية عادية. فالرجل تعمّد في تصريحاته استخدام عبارة "سياسة الخطوة بخطوة" في إشارة أراد منها الإيحاء بالهدوء والواقعية، بينما رافقته مورغان أورتاغوس في حضور فسّرته مصادر مطلعة بأنه استفزازي بامتياز، ومقصود منه إيصال رسالة سياسية إلى الداخل اللبناني. بذلك، جمعت الزيارة بين لغة ناعمة في الشكل ورسائل صلبة في المضمون، ما جعلها تحمل أكثر من معنى في توقيت شديد الحساسية.

أكّد براك أنه سيعرض الورقة التي أقرّتها الحكومة اللبنانية على الجانب الإسرائيلي ، كاشفاً في الوقت ذاته أنه لم يتمّ عرض أي شيء على "تل أبيب" حتى اللحظة. هذه المفارقة بدت كافية لتفنيد الرواية الرسمية اللبنانية التي تحدثت عن ورقة ملزمة لمجمل الأطراف، إذ تبيّن أنها مشروع أميركي خالص، جرى تمريره في مجلس الوزراء كما هو من دون نقاش فعلي. ومن هنا، تقول المصادر إن ما رُوِّج له في الداخل حول الورقة لا يتجاوز كونه محاولة لإخفاء حقيقة مرّة: لبنان تبنّى نصاً لم يشارك في صياغته أو مناقشته بالكامل.

منذ البداية، اصطدمت الورقة الأميركية برفض واضح من رئيس مجلس النواب نبيه بري للآلية التي أرادت واشنطن فرضها. هذا الموقف ترافق مع قناعة لدى الأميركيين بأنّ وزراء "الثنائي الشيعي" سيتجهون حتماً إلى مقاطعة الجلسة، الامر الذي دفعهم، وفق المصادر، إلى تعديل مقاربتهم من صيغة الإجماع إلى المصادقة على القرار وفق الآليات الدستورية المتبعة. وبذلك، أُزيل العائق الإجرائي، ومُهّد الطريق أمام إقرار الورقة في مجلس الوزراء من دون نقاش جدّي بمضامينها والالتفات إلى البنود الملغومة الموجودة فيها.

غير أنّ هدوء نبرة براك لا يلغي خطورة ما حملته الزيارة، فمن الواضح أنّ الرجل لم يأتِ ليبشّر بتسوية بقدر ما جاء ليتابع مسار التنفيذ. إذ إن المؤسسة العسكرية مطالَبة بخطة تتعلق بسلاح " حزب الله "، وهو ملفّ لا يمكن التعامل معه كقضية تقنية. ذلك أن فرضه بالقوة يعني جرّ البلد إلى مواجهة مفتوحة، في وقت تؤكد فيه أوساط قريبة من قيادة الجيش أن الحماسة شبه معدومة لمغامرة يدرك الجميع أنها ستفضي إلى انهيار شامل. والأخطر أن الورقة الأميركية التي أُقرّت في مجلس الوزراء تربط صراحة الدعم الدولي للجيش بمهمة تنفيذ حصرية السلاح، ما يعني أن تجهيز الجيش نفسه أصبح مشروطاً بمدى استعداده لفرض القرار على الأرض.

في المقابل، حاول رئيس الجمهورية جوزاف عون الترويج لمصطلح "لبننة" الورقة الأميركية، غير أنّ الوثيقة النهائية، وفق المصادر، تكشف أنّ ما ثُبّت عملياً هو "الأهداف الواردة في مقدمة الورقة التي تقدم بها الجانب الأميركي"، فيما اقتصرت التعديلات على الصياغة وبعض العبارات الشكلية. وهنا، ترى المصادر أنّ ما جرى ليس سوى "ضحك عالدقون"، معتبرة أن الصورة التي قُدّمت للرأي العام تجاهلت واقع الضغوط الأميركية والخليجية التي فرضت إيقاعها. وتشير المصادر إلى أنّ رئيس الجمهورية جوزاف عون كان قد تراجع عن موقفه الداعي إلى الحوار حفاظاً على السلم الأهلي، بعدما وعد في جلسات مع المعنيين بترك النقاش مفتوحاً وعدم الاستعجال في اتخاذ أي قرار. وتضيف المصادر أنّ الضغوط الأميركية والسعودية هي الدافع الرئيسي خلف هذا التراجع، رغم معرفة الرئيس بأن الانتقال من الحوار إلى الحسم قد تكون له تداعيات كبرى على الاستقرار الداخلي، تفتح الباب أمام سيناريوهات تهدّد عهده وتحمّله وزر ما لا تُحمد عقباه.

وذكّرت المصادر بأنّ خطاب عون بمناسبة "عيد الجيش" شكّل صدمة في بعض الأوساط السياسية، سيّما وأنه كان قد أسقط بند "الاستراتيجية الدفاعية" منه، الامر الذي وصفته المصادر بالمؤشر الذي "كان كافياً آنذاك لتحديد المسار الذي يتجه فيه لبنان الرسمي في المرحلة المقبلة".

ومن هنا، يصبح السؤال الأهم: كيف يمكن فرض قرارات بهذا الحجم من دون توافق وطني شامل؟ إذ، وفق المصادر، إن أي محاولة للتنفيذ بالقوة، ستعني فتح باب الصدام الداخلي، خصوصاً مع تشابك الملفات بين سلاح المخيمات الفلسطينية وسلاح "حزب الله". وحذّرت المصادر من أن استمرار هذا النهج سيقود البلاد إلى انفجار حتمي، ما لم يُصر إلى تجميد القرار والعودة الى الحوار، أو إعلان المؤسسة العسكرية عدم قدرتها على تحمّل تبعاته.

في المحصلة، لم تكن زيارة براك رسالة تهدئة، بل إنذاراً صريحاً بأن التنفيذ بات على الطاولة. وما سُمّي "لبننة" للورقة الاميركية ليس سوى غطاء هشّ لمشروع أميركي يراد فرضه بالقوة. لبنان اليوم أمام مفترق حاسم: إمّا أن يتراجع عن قرارات تهدد وحدته، أو يُدفع إلى مواجهة داخلية بغطاء دولي، حيث تتحوّل "سياسة الخطوة بخطوة" إلى خطوات متسارعة نحو الهاوية.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا