لنعترف بتواضع بأن كلام الأمين العام لـ " حزب الله " الشيخ نعيم قاسم كان الحدث الآني على الساحتين الداخلية والخارجية. لكن هذا الحدث لا يعني بالضرورة أن ما ورد في كلامه من تصعيد كان متوقعًا يصب في خانة دفع الأمر نحو خواتيم كان يعتقد البعض أنها ستحمل في طياتها الفرج، خصوصًا أن قرار الحكومة جاء في توقيت دولي واقليمي مفصلي. ولكي لا يتعاطى المرء بسلبية مطلقة مع ما أطلقه خليفة السيد حسن نصرالله من مواقف سلبية بالنسبة إلى كثيرين فإن ما قاله قد أعاد لبنان ، ولو بطريقة عكسية، إلى ضوء مسرى الأحداث بعدما كانت الحوادث الأخيرة في محافظة السويداء السورية قد خطفت الأضواء الدولية والإقليمية، على رغم ما في هذه الحوادث من مخاطر وجودية بالنسبة إلى طائفة الموحدين الدروز.
فهذا الحدث الآني الذي تمثّل بكلام الشيخ قاسم، والذي لم يكن "ناعمًا" على الاطلاق، قوبل بموجة عارمة من ردود الفعل المحلية، وبالأخصّ ردود فعل عدد لا بأس به من الطائفة الشيعية، التي أعلنت صراحة وقوفها في وجه أي فتنة طائفية قد لوّح بها الأمين العام لـ "الحزب"، واعتبرت أن كلامه عن "حرب كربلائية" جديدة إذا لزم الأمر هو بمثابة عرقلة قيام الدولة القوية بقواها العسكرية الشرعية، والحؤول دون قيامها بالدور المفترض أن تلعبه كلاعب وحيد على الساحة الأمنية في البلاد، خصوصًا بعدما تأكد للجميع نسبيًا أن سلاح "
المقاومة الإسلامية" لم يحمِ لا لبنان ولا بيئة "حزب الله"، ولم يبنِ ما كان يجب أن يُبنى، وهو شعار رفعته القيادة السياسية في "حارة حريك" في الانتخابات النيابية الأخيرة.
وفي رأي معارضي سلاح "حزب الله"، قبل القرار الحكومي وبعده، أن أخطر ما في كلام الشيخ قاسم أنه جاء بعد حدثين قد لا يكونان مرتبطين ببعضهما البعض عضويًا، وإن كانا متلازمين من حيث النتائج: الأول، الزيارة التي قام بها علي لاريجاني لبيروت، وهي زيارة رأى فيها البعض أنها جاءت في توقيت مشكوك بأهدافها غير المعلنة. والثاني حادث التفجير الذي تعرّضت له عناصر من الجيش أثناء مداهمتهم لمخزن أسلحة يقع في منطقة جنوب الليطاني سبق أن قيل بأن هذه المنطقة قد أصبحت خالية من السلاح وأنها قد أصبحت في عهدة الجيش ليتبيّن عدم صحة ما قيل واشيع.
فهذان الحدثان غير المرتبطين عضويًا ببعضهما البعض حتى اثبات العكس جاءا كتكملة لما كان غير مقرّر الإعلان عنه فكانت كلمة قاسم "قاسمة" في التفريق بين ما كانت تسعى إليه الدولة بقواها الذاتية الشرعية وبين التهديدات التي أُطلقت في مناسبة لها رمزيتها الكربلائية. وما بين هذا وذاك يمكن القول بأن لبنان قد دخل في مرحلة جديدة يُرجّح أن تكون عصيبة، خصوصًا أن التلويح بحرب كربلائية جديدة "إذا لزم الأمر" والتهديد بالنزول إلى الشوارع حتى تلك التي توصل إلى السفارة الأميركية في عوكر، قد أراحا
إسرائيل كثيرًا، وهي التي كانت، ولا تزال، تسعى إلى تأجيج الفتن الداخلية، باعتبار أن من شأن هذه الفتن تحقيق ما كانت تحلم به منذ أيام هنري كسنجر وغولدا مائيير.
وفيما كان الشيخ نعيم قاسم يهدّد الحكومة
اللبنانية ، ويتهمها بأنها تنفذ "أجندة" أميركية – إسرائيلية كان العدو يواصل استباحة السيادة اللبنانية، والتي كان "حزب الله" قد تكّفل بردّ أي اعتداء قد يتعرّض له لبنان عندما فتح
الجبهة الجنوبية لمساندة أهل غزة ومقاومتها في حربها ضد العدوان
الإسرائيلي .
فبعد كلام الشيخ قاسم بالنسبة إلى ما يمكن تنفيذه من الخطّة المكّلف الجيش تسليمها إلى السلطة السياسية في نهاية آب الجاري ليس كما قبله بالتأكيد، إذ أن ما جاء فيه من مواقف حادّة ومسنّنة قد فرزت الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وأثبتت ردود الفعل على هذا الكلام بأن محاولة إعادة عقارب ساعة الأحداث اللبنانية إلى ما قبل الثامن من تشرين الأول من العام 2023 لم تعد متاحة أو ممكنة.