آخر الأخبار

مأزقيةُ إعلام المفاوضات.. الحلُّ بالكتمانيّة!

شارك
كتب الوزير السابق جورج كلاس مقالاً تحت عنوان: مأزقيةُ إعلام المفاوضات.. الحلُّ بالكتمانيّة، وجاء فيه:

تحديات إنجاح المفاوضات التي تجري بين فرقاء محليين او بين دولة و أخرى ، كثيرةُ المخاطر ، منها المتوقّع و منها المفاجئ و منها المسكوت عنه كسلاح إحتياط . غير ان ما يشهده الواقع اللبناني راهناً من مشقة مفاوضات بين فريق لبناني و وسطاء دوليين حول قضية محورية على مستوى سيادي، يشكل حالة نموذجية من آليات التفاوض الدقيق المسبوق بحوارات و المُرَافق بنقاشات عقلانية مدعَّمة ببراهين إقناعية ، تحصيناً لماجريات التفاوض و منعاً لأي إنعكاسات تدخليّة من متطفلين او متسلقين من خلال الإعلام كوسيلة للتأثير و التشارك غير المباشر في جلسات التفاوض والاستخلاص.
و اكثر ما يعترض اللقاءات و الجلسات التفاوضية السرية و المعلنة التي تجري برعاية خارجية او بمبادرة محلية ، هو تدخّل بعض الإعلام لإفساد بعض المفاهيم و عرقلة ما تم التوافق عليه مرحلياً من نقاط خلافية ، مما يجعل العملية التفاوضية محكومة بالمأزومية و محاصرة بالمأزقية ، و معرّضة للتعثر و الإفشال . و هذا ما يستوجبُ التنبه له و الاستعجال بوضع إستراتيجية هندسية لإدارة الحوار و إنتاجه ، كفعلٍ وطني و مبادرات مجتمعية تتطلب جهداً استثنائياً و فكراً براغماتياً يتوافق و ظروف المرحلة و منسوبية قوى المتفاوضين ، مع احترام القواعد الواجب التقيُّد بها في الوقت المخصص للمفاوضات ، من دون إهراق المفاوضين و عدم إحراق المراحل و لا قتل ما يتم التوصل اليه من تلاقيات و تفاهمات.
و إذا كان الحكم مسؤولية حاضنة للوطن و راعية المجتمع بكل تكويناته، فإن الحفاظ على الإستقرار السياسي واعتماد العقلانية لحل الأزمات و تفادي تنامي النزاعات من خلال الحوار و دبلوماسية المفاوضات ، هو مسؤولية وطنية و تحصينية لنظام العيش المجتمعي ، بفرادته التعددية بين الثقافات، و مفهومه التكاملي بين الاديان ، و إتصافه بنوعية التنوع الحضاري المايز للبنان ، تراثاً و تاريخاً و صيغةً و فرادة و نموذجاً حضارياً لتلاقي الروحانيات و تفاعل الاديان و تثمير عيش القيم.
من هذا المرتكز الفلسفي و المنظور السياسي لموضوع الحوار و الية التفاوض ، يجب التحوُّط و العمل لتأكيد الاستقرار السيادي ، و الحرص على الدستور الناظم لروح الدولة ، و فهم دور الإعلام المرافق لعملية المفاوضات ، بأسبابها و مفاهيمها و مراحلها و مطالبها التحديثية و التطويرية كطرح مرحلي ، من حيث ما يشكله الإعلام من عوامل ضبط و يستوجبه من عناية ملازمة لمراحل التفاوض بدقائقها ، من خلال توظيفه للفنون الإعلامية بكل أنواعها الخبرية و التعريفية و التثقيفية و التغطية الواقعية البعيدة عن التأويل و الصناعة التحليلية المنحازة.
و مهما تفاعلت عملية التفاوض و حُمِّلتْ من تأويلات و إستهدِفتْ من إسقاطات ، فإن الحل الأسلم للوصول إلى نتيجة رضائية و نهائية و الخروج من مأزقية المزايدات و مأزومية الصراعات الصامتة ، لا يكون إلا بإعتماد تقنية الكتمانية طيلة الفترة التي تستلزمها عملية التفاوض ، منعاً للتسريب و التضليل و قتل الفرص المتاحة.
و هذا التدبير التحوّطي ، لا يستهدف الإعلام ، و لا يقلل من قيمة الثقة بدوره في المواكبة الموضوعية و الحيادية لمراحل اللقاءات ، تغطية و إخباراً و تعليقات و توقعات ، بل يؤكد على أهمية إعلام المفاوضات كنوع من الإعلام المتخصص ، في تقديم صياغات عقلانية و رصينة من خلال التشارك في عملية التقويم و الاستثمار الإيجابي للنتائج التي حققها المتفاوضون بالأصالة و المفوضون بالتفاوض . فإعلام الكتمان لا يقل مسؤولية عن الإعلام السياسي ، لأن مسؤولية السكت عن التسريب و ضبط اللسان ، أهم من إدعائية تحويل المجهولات الى معلومات و الإيهام بمعرفة ما يعرفه الآخرون.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا