في بلد يعيش على إيقاع المهل الدستورية المؤجلة، لا يبدو تأجيل الانتخابات النيابية مجرّد خيار تقني أو ظرفي، بل تحوّل تدريجيًا إلى ورقة سياسية رابحة في يد من يملك القدرة على اللعب بالوقت.
وإذا كان الحديث العلني في العلن يذهب باتجاه المطالبة بإجراء الانتخابات في موعدها، فإن الواقع يكشف أن التأجيل، إن حصل، سيخدم أكثر من طرف أساسي في المعادلة
اللبنانية .
المستفيد الأول من التأجيل هو "
التيار الوطني الحر ". فرغم إصرار قيادته العلني على احترام المهل وإجراء الانتخابات، إلا أن الأرقام والوقائع
الانتخابية تُظهر أن "
التيار " بات في موقع دفاعي لا يُحسد عليه. ففي حال جرت الانتخابات قريبًا، سيخسر" التيار" حتمًا الغالبية العظمى من نوابه الحاليين، خصوصًا في الدوائر
المسيحية حيث يتراجع حضوره لصالح خصومه وحلفائه السابقين على حد سواء. أما في حال تمّ تأجيلها، فسيتمكن من الحفاظ على حجمه التمثيلي داخل
البرلمان ، ولو مؤقتًا، ما يمنحه مزيدًا من الوقت لترميم شعبيته المترنّحة.
أما المستفيد الثاني، فهو "
تيار
المستقبل "، أو ما تبقّى منه سياسيًا وتنظيميًا. فالتأجيل يمنح "التيار" هامشًا زمنيًا إضافيًا لحسم قراره بالمشاركة أو
المقاطعة ، من دون أن يبدو وكأنه يكسِر كلمة رئيسه
سعد الحريري الذي أعلن انه سيعود الى العمل السياسي. هذا الوقت المستقطع قد يسمح بإعادة ترتيب البيت الداخلي، وربما فتح باب العودة التدريجية إلى المشهد من دون ضجيج ولا كلفة سياسية مباشرة.
الثنائي الشيعي، بدوره، ليس بعيدًا عن الاستفادة. فرغم قوته الانتخابية شبه المضمونة في معظم الدوائر، إلا أن غياب الاستحقاق يريحه من معارك انتخابية محلية في الجنوب والبقاع، ويمنحه فترة من الاستقرار بعيدًا عن التجاذبات. فعدم خوض الانتخابات لا يضعف "الثنائي"، بل يجنّبه تحديات داخلية وخارجية كان سيتعيّن التعامل معها في لحظة سياسية دقيقة.
وحتى النواب التغييريين، الذين غالبًا ما يظهرون انفسهم ضحايا المنظومة السياسية، قد يكون التأجيل في صالحهم. فمعظم هؤلاء لا يملكون الحيثيات التنظيمية ولا القواعد الشعبية الكافية لخوض معركة جديدة، بعد التراجع الذي أصاب صورتهم العامة وفاعليتهم السياسية. وبالتالي، فإن بقاءهم في البرلمان الحالي قد يكون الفرصة الأخيرة لإعادة التموضع واستعادة بعض المبادرة قبل أي اختبار شعبي جديد.
قد يكون اللبنانيون خاسرين من تأجيل الانتخابات، لكن بين اللاعبين الكبار، فان الجميع تقريبًا يربحون.