في بلد يُعاني من انهيار شبه كامل في قطاع الكهرباء، أصبحت المولدات الخاصة ضرورة حياتية لا غنى عنها. وبينما تُطفئ الدولة أنوار بيوت المواطنين لساعات طويلة، يشتعل عمل أصحاب المولدات الذين حوّلوا الأزمة إلى تجارة مربحة في غياب الدولة والرقابة.
لكن هذه التجارة ليست بلا ثمن، بل يدفع ثمنها المواطن البسيط الذي يرزح تحت وطأة الفقر والغلاء، ويُجبر شهرياً على دفع فاتورة كهرباء قد تتجاوز دخله.
وهنا يُطرح السؤال: كيف وصلنا إلى هذا الواقع؟ وكيف تحوّلت المولدات من حل مؤقت إلى تجارة تُدر أرباحاً ضخمة على حساب معاناة الناس؟
أصبح لكل حي تقريبًا "مشغّل مولدات" واحد أو أكثر، يتحكم بتوقيت التغذية، بالتسعيرة، وبكمية الكهرباء المقدّمة. وبسبب الطلب الكبير، وغياب المنافسة في بعض المناطق، أصبحت هذه التجارة تُدرّ أرباحاً ضخمة شهرياً، خصوصاً في الأحياء المكتظة.
وتشير التقديرات إلى أن "بعض أصحاب المولدات يحققون آلاف الدولارات شهرياً".
أمام هذا الواقع، يجد المواطن نفسه مجبراً على دفع فاتورتين كهرباء شهرياً:
١- فاتورة الكهرباء الرسمية للدولة، حتى لو لم تصله الكهرباء.
2- فاتورة اشتراك المولد، والتي غالبًا ما تكون بالدولار أو ما يعادله بالليرة.
المشكلة لا تقف عند الكلفة فقط، بل في نوعية الخدمة أيضاً: كهرباء تنقطع خلال الليل. ضغط كهربائي غير ثابت يتلف الأجهزة. ساعات تغذية محدودة لا تتجاوز 10-12 ساعة يومياً.
يقول
فادي منصور ، 37 عاماً، من
طريق الجديدة "أنا موظف وأعيش على راتب مقبول، وكلما تصل فاتورة المولد أشعر وكأنني أدفع قرضاً شهرياً لا نهاية له. الشهر الماضي دفعت ما يقارب 150 $ رغم أنني لا أستخدم سوى الثلاجة والمروحة وبعض الأضواء".
وأشار منصور الى أن "المشكلة ليست في السعر فقط، بل في انقطاع الكهرباء ليلاً، وعندما نستفسر نجد الأعذار مثل الضغط العالي أو نقص المازوت".
أضاف "الدولة تخلت عنا، وأصحاب المولدات يضعون الأسعار على هواهم، لا رقابة، ولا عدالة، ولا كرامة في هذه الحياة".
ودعا منصور إلى تدخل رسمي: "لا نريد
الصدام مع صاحب المولد، لكن لا يجوز أن نبقى أسرى لتقديراته الشخصية. نطالب البلدية بوضع آلية إشراف، وضبط التسعيرة. من حقنا نعرف على ماذا ندفع".
هناء الأسعد، 45 عاماً، سكان
الصنائع أفادت بأن "نحن في حي لا نملك أكثر من خيار واحد، هناك مولد واحد في الحي، وإذا لم نشترك معه، فنحن في ظلام تام. هو يحدد السعر، ويقول لنا: إما أن تدفعوا أو لا كهرباء لكم".
وقالت الأسعد "الشهر الماضي وصلت فاتورة منزلنا إلى سبعين دولارًا، بالرغم أن الكهرباء غير مستقرة، وتكررت مرات تلف أجهزتي المنزلية مثل التلفاز والغسالة".
أضافت "لم نعد نعيش حياة طبيعية، بل أصبحنا نكافح كي نقضي النهار من دون كهرباء، وننام ليلاً بلا مروحة أو ضوء، أحيانًا أشعر بأن الدولة غائبة تمامًا، بينما هناك من يستغل حاجتنا للحياة ويجني الأرباح على حسابنا".
في هذا السياق قال إحدى أصحاب المولدات "أنا لا أتهرب من المسؤولية، وأتفهم غضب الناس، لكن عليهم أن يعرفوا ما الذي نواجهه. في فصل الصيف، الاستهلاك يرتفع إلى الضعف وربما أكثر. كل بيت تقريبًا يشغّل أكثر من مروحة، وبعضهم يستخدم المكيفات بشكل مستمر، وهذا يُشكل ضغطًا هائلًا على قدرة المولد. المولدات مصممة لتحمّل طاقة معينة، وإذا تجاوزنا هذا الحد، نخاطر بتعطّلها بالكامل".
وأكد أن "المازوت سعره غير مستقر، وأحيانًا نشتريه بالسوق السوداء بأسعار مرتفعة، والبلدية لا توفره بالكميات المطلوبة. فوق ذلك، هناك تكاليف إضافية للصيانة، والزيت، والفلاتر، وأجور العمال. قطع الغيار أصبحت باهظة الثمن، وأي عطل بالمولد يمكن أن يكلفنا ملايين الليرات. لهذا نضطر أحيانًا إلى رفع السعر لتغطية التكاليف، وليس لتحقيق أرباح خيالية كما يعتقد البعض".
وعن العدالة في التوزيع بين المشتركين، قال "صحيح، بعض المشتركين يستهلكون كهرباء أكثر من غيرهم، لكن بدون عدادات، يصعب المراقبة. نحن ندرس مشروعاً لتركيب عدادات ذكية، لكن التكلفة عالية وتحتاج إلى تنسيق مع كل بيت. الأمر ليس سهلًا، وبدون دعم من الدولة أو البلدية، لا يمكن تطبيقه بسرعة".
وفي ظل غياب حلّ جذري لأزمة الكهرباء الرسمية، تستمر المولدات الخاصة في لعب دور أساسي في حياة الناس، لكنّ الاعتماد المتزايد عليها من دون تنظيم واضح، ينذر باستمرار التوتر بين المواطنين وأصحاب هذه الخدمات، ويُسلّط الضوء على حاجة ملحة لتدخل السلطات المحلية والمركزية.