توزع المشهد السياسي بين المتابعات الداخلية للملفات المطروحة واللقاءات التي يجريها المبعوث الأميركي توم برّاك مع مسؤولين فرنسيين يتابعون ملف
لبنان ، حيث اجتمع مع الموفد جان ايف لودريان للتشاور في ما توصلت إليه محادثاته في
بيروت وردها على الورقة الأميركية إضافة الى استحقاق التجديد لقوات اليونيفيل.
وأجرى رئيس
مجلس الوزراء نواف سلام اتصالًا برئيس الجمهورية جوزاف عون، أطلعه خلاله على نتائج زيارته الرسمية إلى باريس ولقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وكتبت" النهار": تشكلت شبكة مواقف للدول الأساسية المعنية بلبنان من شأنها ان تفاقم القلق اذ تتجمع فيها مؤشرات تراجع الثقة الدولية بالسلطة
اللبنانية ورموزها بما لا يمكن معه تجاهل خطورة تداعيات هذا العامل .
فعلى رغم الإحاطة الدافئة الذي حرص الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على إبرازها في استقباله لرئيس الحكومة نواف سلام الخميس الماضي في باريس لم تغب معالم الحذر الشديد الذي طبع الموقف الفرنسي حيال ملفات الإصلاح ونزع سلاح "
حزب الله " وترسيم الحدود مع
إسرائيل وسوريا كما حيال احتمال تعديل حجم قوة اليونيفيل في الجنوب بضغط أميركي . .
ولكن المواقف المثيرة للقلق برزت في صلب اللقاءات الديبلوماسية الأخرى التي حصلت في اليومين الأخيرين في باريس ومن ابرزها المحادثات التي جرت بين
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو والموفد الأميركي توم براك .
وفي هذا السياق أفادت مراسلة "النهار" في باريس رندة تقي الدين ان باراك ابلغ بارو بالنسبة إلى محادثاته في لبنان ان السلطات اللبنانية لا تتقدم في مسألة نزع سلاح "حزب الله". واما بارو فحذر من جانبه من انه إذا بقي التباطؤ حول موضوع نزع سلاح "حزب الله" فقد تعود إسرائيل بعملياتها التي كانت قبل كانون الثاني الماضي فهناك خطر ولذا ينبغي التقدم في نزع سلاح "حزب الله" بطريقة ربما تكون بمراحل او بشكل اكثر توازنا .
وأضافت مراسلة "النهار" ان المحادثات التي تمت قبل يومين بين بارو ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في باريس تناولت المؤتمر الذي سيعقد في نهاية الشهر في نيويورك حول حل الدولتين الذي يترأسه كل من بارو وبن فرحان في المرحلة الأولى كما تطرقا إلى
سوريا ولبنان وايران . فحول سوريا هناك قلق
سعودي مما تقوم به إسرائيل في سوريا والخطر الذي يحدث نتيجة ذلك . اما عن لبنان فأعرب الوزير السعودي عن استياء شديد قائلا انه إذا كان لبنان لا يريد ان يتحول إلى بلد طبيعي حيث الدولة تتسلم الامن والسلاح فالسعودية لن تساعده .
وكتبت" الاخبار":الذين التقوا براك، يقولون إن واشنطن تتبنى رأي إسرائيل بأنه لا يجوز أن يبقى مع حزب الله أي نوع من السلاح. صحيح أن الأولوية هي للأسلحة التي تشكّل خطراً على «دولة إسرائيل»، ولكن ذلك لا يعني أنه مسموح لحزب الله أن يحتفظ بأسلحة خاصة، ولو كانت خفيفة. وفي رأي براك، إن على لبنان إنجاز هذه المهمة ضمن فترة زمنية محددة، لا تتجاوز الثلاثة أشهر. ومع النقاشات التي حصلت، عاد براك ليتواصل مع إدارته في واشنطن، ليقول لاحقاً إنّ مهلة الأشهر القليلة إنْ جرى تمديدها لفترة ممثلة، فهذا يعني أنكم في لبنان سوف تماطلون، وسوف تمر ثلاثة أشهر تلو ثلاثة أشهر وهكذا دواليك، وفي كل مرة، سوف تقولون لنا إن هناك عقبات تحول تطبيق العملية!
ولفتت أوساط دبلوماسية واكبت محادثات الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك ل"نداء الوطن"، إلى أنه لم تعد هناك ضرورة لزيارة رابعة أو خامسة أو سادسة يقوم بها الموفد للبنان، باعتبار أن الحديث عن زيارة جديدة لبرّاك هو "تمديد للآمال الفارغة". وقالت: "الصورة باتت واضحة بعد فشل وساطة برّاك، ومن أفشل هذه الوساطة عليه أن يتحمل المسؤولية".
وأشارت الأوساط إلى أن جواب "حزب الله" انكشف خلال محادثات الموفد الأميركي مع الرئيس بري الذي طالب باسم "الحزب" بضمانات فرد عليه برّاك أنه لا يمكنه تقديم مثل هذه الضمانات. وقالت: "إن موضوع الضمانات هو الذريعة الإضافية الجديدة بعد أحداث سوريا كي لا يقوم "الحزب" بتسليم سلاحه والذي يجب أن يسلّم بمعزل عن أي ذريعة، علمًا أن براك كان واضحًا عندما صرّح بأنه وسيط وأن إسرائيل تريد نزع سلاح "الحزب" فإذا كانت الدولة لا تريد القيام بهذه المهمة فلتتحملوا المسؤولية".
وأعربت الأوساط عن خشيتها من أن واشنطن قد نفضت يدها من الوساطة، فأصبح الوضع متروكًا لإسرائيل". وتساءلت: "هل سنكون أمام أيلول أسود وجولة جديدة من العنف قبل هذا الشهر أو بعده؟ أضافت: "من الواضح من ورقة برّاك أن هناك تشددًا إسرائيليًا، وهو قال ذلك من خلال أن إسرائيل لا تريد أن تبقى لـ "حزب الله" أي بنى عسكرية في لبنان". وتابعت: "إن مطلب نزع سلاح "الحزب" في واقع الحال ليس مطلبًا إسرائيليًا بل هو مطلب لبناني، وأن من يريد ضمانات هو الشعب اللبناني من "الحزب" الذي انتهك السيادة واستجر الحروب وأوصل لبنان إلى ما وصل إليه وبالتالي فإن مطالبة "الحزب" بضمانات في غير محلها".
وأكدت الأوساط أن لا مناص من أن تقوم الدولة بمسؤولياتها بتفكيك البنى العسكرية لـ "حزب الله" كي تصبح مسؤولية الأمن في لبنان ملقاة على عاتق الجيش اللبناني، فينتشر على الحدود الجنوبية والشرقية والشمالية وعند ذاك إذا ما قامت إسرائيل بأي فعل في لبنان تصبح إسرائيل في مواجهة الدولة اللبنانية بينما هي اليوم في مواجهة مع الحزب".
وأكدت الأوساط الدبلوماسية أن الصورة قاتمة والدولة لا تريد الاصطدام بـ "حزب الله" وكأنها في مكان تتوقع هجومًا إسرائيليًا مجددًا على "الحزب" . وإذا ما حضر توم برّاك مجددًا إلى لبنان فستكون زيارته استطلاعية وعلاقات عامة".
ولفتت أوساط رسمية لـ»البناء» الى أن الموقف اللبناني لم يتغير من الرد الأول على الورقة الأميركية الأولى رغم بعض التعديلات أو التقدم بالطرح اللبناني نحو ضمانات أكثر بعد الأحداث
السورية ، لكن الرد اللبناني الأخير سيكون نهائياً ولن يتغير لأنه ينطلق من السيادة اللبنانية والمصلحة الوطنية وحماية حدود لبنان وأمنه القومي واستعادة حقوقه وضمن الثوابت الوطنية.
ولفت زوار عين التينة إلى أن الرئيس بري قدم طرحاً متكاملاً مع شرح تفصيلي يحفظ الحقوق اللبنانية ويضمن حماية لبنان من العدوان
الإسرائيلي مرفقاً بتوازي وتزامن المهل والتنفيذ بين «إسرائيل» ولبنان، وبالتالي بعد هذا الطرح باتت الكرة في الملعب الأميركي والإسرائيلي. ولفت الزوار إلى أن لا يمكن للبنان أن يتنازل أكثر من المطروح في الورقة اللبنانية، والمطلوب العودة إلى تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار لا خلق اتفاق جديد يطيح باتفاق 27 تشرين الثاني الماضي، وبالتالي الحلّ يبدأ بتطبيق إسرائيل التزاماتها في الاتفاقات والقرارات السابقة والانسحاب من كل الجنوب إلى الحدود الدولية ووقف العدوان وإطلاق سراح الأسرى مع ضمانات دولية وأميركية تحديداً بإعادة الإعمار.
غير أن مصادر نيابية أكدت بأن لبنان ليس ضعيفاً بل يملك أوراق قوة عدة أهمها سلاح المقاومة والإرادة الشعبية بالدفاع عن الوطن ضد الخطر الإسرائيلي والإرهابي، إلى جانب الموقف الرئاسي الموحد والوحدة الوطنية المتمثلة بأغلب القوى السياسية والمرجعيات الروحية التي أكدت خلال اليومين الماضيين أهمية الوحدة والتعاضد والتماسك الداخلي في مواجهة العدوان الإسرائيلي ومخططات الفتنة إلى جانب موقف رئيس الجمهورية الذي أكد بأن لا عودة الى لغة الحرب، إضافة الى مواقف الرئيس بري الذي وصفه مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان بالضمانة الوطنية الحقيقية.
وكان براك اعاد تأكيد موقف
الولايات المتحدة من لبنان ، قائلاً إنه خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، صرّح بأن "سلاح (حزب الله) هو مسألة يجب أن يحسمها اللبنانيون أنفسهم، في تأكيد لموقف الولايات المتحدة الثابت منذ سنوات، وهو أن (حزب الله) يُشكّل تحدياً لا يمكن معالجته إلا من قبل الدولة اللبنانية". واضاف برّاك إن الولايات المتحدة "لا تزال مستعدة لدعم لبنان إذا ما التزمت الحكومة بفرض حصرية السلاح بيد الدولة، على أن تكون القوات المسلحة اللبنانية هي الجهة الوحيدة ذات الصلاحية الدستورية للعمل داخل حدود البلاد"، وذكر بتصريح وزير الخارجية ماركو روبيو القائل: "إن هدفنا في لبنان هو دولة لبنانية قوية قادرة على مواجهة (حزب الله) ونزع سلاحه".
وأكد براك أن الولايات المتحدة "لا تميّز بين الجناحين السياسي والعسكري لـ(حزب الله)، بل تعتبر التنظيم بكل أوجهه منظمة إرهابية أجنبية". وأشار إلى أنه في المقابل، «تعترف الولايات المتحدة بالقوات المسلحة اللبنانية كمؤسسة عسكرية وطنية شرعية وحيدة، وركيزة من ركائز السيادة اللبنانية، والمفتاح نحو مستقبل مستقر ومزدهر». وقال: «الكرة الآن في ملعب القيادة السياسية اللبنانية، وكذلك في ملعب الجيش اللبناني، لإظهار العزم والإرادة السياسية من أجل، كما قال الرئيس ترامب، (اغتنام فرصة جديدة لمستقبل خالٍ من قبضة إرهابيي حزب الله)»، مشيراً إلى أن «على هذا الطريق، ستقف الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع شعب لبنان».
ولعل المفارقة اللافتة تمثلت في تقارير إعلامية تحدثت عن تدخل إيراني مباشر تولاه السفير الإيراني في بيروت الذي عقد اجتماعات مع الرئيس
نبيه بري قبل وصول براك إلى بيروت وبعد زيارته . وأضافت هذه التقارير أن الاجتماعات عقدت بهدف "الدفع بالمصالح الإيرانية خلال التفاوض على الورقة الأميركية ولتنسيق المواقف بهذا الخصوص". كما جاءت اللقاءات في محاولة للتأثير على موقف الدولة اللبنانية من مسألة سلاح حزب الله ولتحريف رد الدولة اللبنانية على مذكرة التفاهمات التي تم تقديمها من قبل الولايات المتحدة الأميركية. وأشارت إلى ان إيران تتدخل في شؤون لبنان السيادية ومحاولة فرض إملاءاتها من وراء الكواليس عن طريق أنصارها الذين يمثلون الموقف الإيراني في المباحثات مع الولايات المتحدة.