كتبت سابين عويس في" النهار": اغتنم السفير الفرنسي في
لبنان ، هيرفي ماغرو، مناسبة العيد الوطني الفرنسي ليجدد
التزام بلاده الثابت تجاه لبنان، مؤكدًا أن باريس لن تتخلى عن الشعب اللبناني، لكنها في المقابل تدعو بوضوح إلى تحمّل المسؤولية المحلية في اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بمستقبل البلد.
وفي حديث عشية 14 تموز، تناول ماغرو مسار الدعم الفرنسي للبنان، داعيًا اللبنانيين إلى عدم تفويت الفرصة المتاحة اليوم، مع التحول المهم الذي حصل منذ انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة، ما يشكل مدخلًا فعليًا للانطلاق في إعادة إعمار الدولة.
من الإصلاحات المالية إلى التحضيرات الجارية لمؤتمر الدعم إلى زيارة المبعوث الأميركي توم براك، جولة مع السفير ماغرو أكدت أن "خريطة الطريق الأميركية تبدو لنا عنصرًا مهمًا للاستقرار في لبنان ضمن سياق الاستقرار في المنطقة"، وهي تشكل "قاعدة جيدة للعمل" ومكملة للمساعي
الفرنسية التي لم تتوقف منذ بداية الأزمة، كاشفًا أن بلاده تعمل بالتنسيق الوثيق مع
واشنطن ، وقد كانت للسفير براك جولة محادثات مع مسؤولين فرنسيين قبيل توجهه إلى
بيروت ، مضيفًا أن "الوثائق التي اقترحناها كانت دائمًا بالتعاون مع
الأميركيين ، ولا تغيير في التوازنات"، مؤكدًا أنه "لا يمكن إيجاد حل وحدنا أبدًا"، لافتًا إلى أن الدينامية انطلقت، والوضع اليوم مختلف عمّا كان عليه قبل أشهر، حيث كانت الصواريخ تمر فوق رؤوسنا، ولننتظر ونواكب الرد. وأمن واستقرار
سوريا هو أيضًا أمن واستقرار لبنان، والعكس صحيح.
وفيما دعا ردًا على سؤال إلى التريث في إصدار الأحكام والاستنتاجات حول الورقة الأميركية والرد اللبناني، قال إن براك "طرح أفكارًا منطقية"، لكن القرار في النهاية يعود للبنانيين أنفسهم، داعيًا إلى عدم الانتظار سنوات لحسم الخيارات، لأن "الواقع سيصارع لبنان إذا تجمّدت جهود السلام"، لافتًا إلى أن هناك فرصة حالية لإعادة إطلاق الدولة، وعلى اللبنانيين أن يغتنموها، كاشفًا أن النقاشات مع الأميركيين تناولت مسألة آلية وقف النار، واليونيفيل، ونزع سلاح "
حزب الله "، والمسألة الاقتصادية، وأُجريت حول هذه المواضيع نقاشات مثمرة جدًا، لكن القرار أولًا يعود إلى السلطات
اللبنانية . المطروح اليوم هو طريقة للمضي قدمًا لا لفرض أي شيء، لأن فرض الأمور غير ممكن. يجب أن يتخذ اللبنانيون هذه القرارات بأنفسهم، مشددًا على أنه "الآن الدور لكم وينبغي ألا ننتظر ثلاث أو أربع أو خمس سنوات قبل أن ننطلق. يجب أن نتحرك". وعن مؤتمر دعم لبنان المزمع عقده في باريس خلال الخريف، أكد ماغرو أن الموعد لم يُحدد بعد، وأن "لا مساعدات من دون إصلاحات"، وأن تجربة مؤتمرات الدعم السابقة "علّمت
المجتمع الدولي درسًا". وقال: "في سيدر، أُعلن عن 11 مليار دولار، ولم يصل قرش واحد بسبب غياب التنفيذ".
وإذ شدد على أهمية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ليس كمجرد شرط خارجي، بل كإشارة ثقة ضرورية للمجتمع المالي العالمي بأن لبنان بدأ يتعافى، لفت إلى
أن فرنسا ترفض فرض برنامج خارجي على لبنان، وتدعو إلى "برنامج لبناني مدعوم من الصندوق يهدف خصوصًا إلى حماية حقوق صغار المودعين".
ولم يخفِ استغرابه من تعطيل بعض مشاريع القوانين الأساسية، لا سيما تلك المتعلقة بإصلاح القطاع القضائي والمالي. وقال: "لا أفهم لماذا لا يتقدم قانون إصلاح العدالة، رغم أنه أساسي لثقة اللبنانيين قبل المانحين".
وقال: لن نستطيع عقد مؤتمر إن لم يأتِ كبار المانحين، لأنهم يعتبرون أن لبنان لم يتقدم بما فيه الكفاية، ومع وجود خطر ملموس بأن الدينامية أصبحت في سوريا، وأن المانحين قد يوجّهون اهتمامهم غدًا نحو مساعدة سوريا، لأنها قضية استقرار كبيرة للمنطقة. لذا نلاحظ بعض المبالغ التي أُعلن عنها لدعم سوريا، وهذا في مصلحة لبنان لمعالجة قضية اللاجئين السوريين، ومن أجل الفرص التي قد تُفتح له. ولا ينبغي أن يفوّت لبنان "قطار سوريا".
وتناول ماغرو ملف "اليونيفيل"، مؤكدًا أن هذه القوة ما زالت ضرورية أكثر من أي وقت مضى، وهي تؤدي دورًا حيويًا في استقرار
جنوب لبنان . وكشف أن عناصر منها سيشاركون للمرة الأولى في
العرض العسكري في الشانزليزيه يوم 14 تموز، في دلالة على رمزية مهمتها. وأكد التزام
فرنسا الكامل بتجديد ولايتها، والعمل مع الأميركيين بهذا الاتجاه، داعيًا اللبنانيين إلى عدم تضييع الفرصة الحالية.
وقال إن هناك تحوّلًا مهمًا حصل في الأشهر الماضية، بدءًا من انتخاب رئيس الجمهورية، وصولًا إلى العمل الجدي فعليًا للحكومة الجديدة، ما يشكل مدخلًا للانطلاق في إعادة إعمار الدولة.
وأضاف: "نحن على ثقة بأن اللبنانيين قادرون على النهوض مجددًا، وسنظل إلى جانبهم، لكن عليهم هم أن يقرّروا مستقبلهم. لم نعد في زمن الانتظار أو الإنكار. الإصلاح أو الانهيار، هذا هو الخيار اليوم! فنحن في عصر مختلف، ويجب أن يكون الجميع في لبنان على وعي تام بهذا الواقع. وهذا يشكل عنصرًا إضافيًا من الضغوط، لأنه ماذا يعني في النهاية؟ عليكم أن تتخذوا القرارات. إن لم تتخذوها فستواجهون مباشرة الواقع الذي نعرفه ويؤسفني أننا نشهده. لقد نددنا مرارًا وتكرارًا به، من ضربات إسرائيلية مستمرة للبنان. وأرى أن المسألة واضحة إلى حد بعيد: إذا تجمدت جهود السلام، فالواقع سيصارعنا".
لذلك، القرار يعود للبنانيين ليختاروا إلى أي وضع يرغبون أن يتجهوا. نحن نساند، نخترع أفكارًا، ننظم مؤتمرًا حول إعادة إحياء لبنان، نقدم مساعدة. وهذا نهج فرنسا منذ البداية. نقول إن
الرئيس عون والحكومة تطرقا إلى مسألة شرعية ضبط الأسلحة من قبل الدولة واستعادة سيادة لبنان. ونحن نؤيد ذلك، وهذا جوهر المسألة. وهذا قرار يجب أن يتخذه
مجلس الوزراء مع الرئيس طبعًا. وأعتقد أن هذه رسالة توم براك: لديكم فرصة، وإذا انتظرنا انتخابات أيار 2026 فلا أحد يعرف أي نوع من البرلمان سيأتي!