آخر الأخبار

برّاك يرسم خارطة طريق جديدة لبنان.. وتحذير من تصنيفه كمنتجع شاطئي تابع لجيرانه

شارك
تشير التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي الخاص توم برّاك، إلى ما يشبه خارطة طريق جديدة ترسمها واشنطن للشرق الأوسط، وليحذر من تحول البلاد إلى ساحة صراع إقليمي جديدة، إذا لم تحل معضلة سلاح حزب الله . هذا التصعيد الكلامي ليس معزولاً عن التغيرات البنيوية التي تشهدها المنطقة، ولا عن التحولات الكبرى التي تطرأ على طبيعة العلاقة بين اللاعبين التقليديين مثل إسرائيل ، إيران ، وسوريا، وأيضاً الولايات المتحدة .

يطرح برّاك سؤالاً مركزياً: هل يمكن لحزب الله أن يتحول إلى كيان سياسي بالكامل؟ هنا تبرز المعضلة اللبنانية القديمة-الجديدة، حيث إن "الحزب"، وبحسب مصادر مطلعة، وإن كان جزءاً من النظام البرلماني ويتمتع بشرعية شعبية ضمن الطائفة الشيعية، إلا أن جناحه المسلح يبقي الدولة رهينة لتوازنات إقليمية غير مستقرة.
ويشدد المبعوث الأميركي، رغم اعترافه بتعقيد هذا الواقع، على أن الحل يجب أن يبدأ من داخل مؤسسات الدولة، لا عبر إملاءات خارجية. لكنه في الوقت ذاته يضع شرطاً ضمنياً: أي تقارب إقليمي أو إعادة إعمار لا يمكن أن يمر دون حسم ملف السلاح الثقيل الذي يشكّل تهديداً مباشراً لإسرائيل، بحسب تعبيره.

اللافت أن برّاك لا يدعو إلى تفكيك "الحزب" أو حله، بل إلى دمجه الكامل في العملية السياسية. هذا الطرح يُعيد إلى الأذهان نماذج تاريخية كتحوّل "الجيش الجمهوري الإيرلندي" إلى جناح سياسي في إيرلندا، أو حتى حالة فتح في بدايات التسعينيات، ما يعكس تحولا ّفي التفكير الأميركي تجاه الحلول الواقعية بدل الطروحات التصادمية.
وفي السياق الإقليمي، يرى برّاك أن الوحدة السورية باتت أولوية استراتيجية لدى واشنطن، ويؤكد رفض بلاده للفيدرالية أو تقسيم سوريا ، حتى مع استمرار دعمها لقوات "قسد". هذا يتقاطع مع موقف روسيا وإيران أيضاً، ما يخلق تقاطع مصالح نادر بين الخصوم الإقليميين.

لكن ما هو لافت في موقف برّاك أن الولايات المتحدة ترى في استقرار سوريا بوابة لاستقرار لبنان ، فتحذيره من أن لبنان قد يعود إلى بلاد الشام إذا لم يتحرك، لا يعكس، بحسب مصادر دبلوماسية، فقط قلقاً من تمدد النفوذ السوري، بل ينذر بتغيّر في وظيفة لبنان السياسية، التي بقيت لعقود خارج الاصطفاف السوري المباشر منذ 2005. وبمعنى آخر، فإن تخلي لبنان عن دوره كمساحة سياسية مستقلة في النظام الإقليمي، سيجعله ملعباً لصراعات تتجاوز حجمه.
في المقابل، ثمة تحذير لبناني من تولي سوريا مجدداً إدارة الملف اللبناني، فهناك رفض واسع لأي عودة محتملة للوصاية السورية، التي لا تزال ذكرى مؤلمة لدى جزء كبير من اللبنانيين. فالساحة اللبنانية لم تعد تحتمل سيناريوهات الفتنة، خصوصاً في ظل انتشار السلاح خارج الشرعية، وغياب الدولة الفاعلة. والسبيل الوحيد لتفادي هذا الانحدار، بحسب مصادر سياسية، يكمن في توحيد الموقف اللبناني الداخلي، وإعادة بناء المؤسسات الدستورية على أسس وطنية سيادية، بعيداً عن الاصطفافات الإقليمية التي أدت إلى ما وصل إليه لبنان اليوم.

ويرى برّاك أن الجيش اللبناني هو المؤسسة الوحيدة القادرة على تنفيذ نزع سلاح حزب الله من دون التسبب في حرب أهلية، وفي ذلك إشارة مباشرة إلى ضرورة إعادة تفعيل دور الدولة عبر مؤسسة لا تزال تحظى بثقة داخلية وخارجية، على عكس معظم المؤسسات اللبنانية الأخرى المشلولة.وهنا يظهر رهان أميركي واضح ، بحسب مصادر دبلوماسية، على تمكين الجيش مقابل تحجيم دور الحزب المسلح، مع دعم مالي ولوجستي يُفترض أن يُقدَّم في حال بدأ مسار التفاوض الداخلي على نزع السلاح فعلياً.

رغم لهجته الدبلوماسية، لا يخفي برّاك أن واشنطن باتت تنظر إلى لبنان بوصفه دولة على وشك الانهيار الكامل، وفي هذا السياق، يشكّل نزع السلاح، بحسب مصادر دبلوماسية، أكثر من مجرّد مطلب أمني أو سياسي، بل هو أحد مفاتيح إعادة بناء الثقة بين اللبنانيين، واستعادة العلاقات الطبيعية مع المحيط العربي والدولي.

من جهة أخرى، يرى "الحزب" في ما تقدم من مواقف اميركية تهديدا وجوديا لأمن لبنان ومستقبله وسيادته، مؤكدا أن سلاح المقاومة هو الضامن الأساسي لأمن لبنان وسيادته، خصوصا في مواجهة التهديدات الإسرائيلية التي لا تزال مستمرة ولم يستطع الأميركي ان يقدم للبنان ضمانات بالتزام إسرائيل اتفاق وقف النار، حيث يعتبر أن السلاح يجب أن يُناقش فقط في إطار الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، ويرى أن الدعوات الأميركية والإسرائيلية تستهدف ضربه بالمباشر من ضمن المشروع الذي استهدفه ويستهدف لبنان والمنطقة، مؤكداً تمسكه بالحوار الوطني وحماية السيادة اللبنانية، مع رفض أي دور أميركي في تحديد مستقبل لبنان الأمني والسياسي.

في النهاية، تلخص تصريحات باراك ما يشبه "الفرصة الأخيرة" أمام لبنان. فرصة مشروطة، معقدة، ومليئة بالتناقضات. لكنّها قائمة. الرسالة الأميركية واضحة نحن لن نفرض حلولاً، لكننا لن نبقى نفاوض. الكرة في ملعب اللبنانيين، والمطلوب تحرك داخلي شجاع، يوازن بين السيادة والواقعية، وبين السلاح والدولة. فالبديل؟ أن يعاد تصنيف لبنان، لا كدولة، بل كـ"منتجع شاطئي" تابع لجيرانه.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا