آخر الأخبار

حزب الله بعد زيارة براك: رسائل مزدوجة في مواجهة التصعيد الإسرائيلي

شارك
لا تزال زيارة المبعوث الأميركي توم براك إلى بيروت تتصدّر المشهد اللبناني، رغم غياب أيّ نتائج ملموسة عنها. فعلى الرغم من محاولة براك إضفاء "إيجابية" على وساطته، انعكست إيجابًا على أجواء الداخل، لم تفضِ الزيارة إلى أي تغيير فعلي على مستوى الجبهة الجنوبية، حيث استبقتها إسرائيل بتصعيد "نوعي"، وأتبعته في الساعات الماضية بعمليات برية وخاصة، وُضعت في خانة الضغط الميداني والسياسي معًا.

وبالتوازي مع التصعيد الإسرائيلي ، كان " حزب الله " من جهته يرفع سقف التحدّي، على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم ، الذي قال في مقابلة مع قناة "الميادين"، إنّ حزب الله عاد ووقف على قدميه، بل أشار إلى أن صبر الحزب يقترب من النفاد، بقوله: "لا نستطيع أن نبقى صابرين إلى ما شاء الله وتوجد حدود بالنهاية، وإذا اعتقد الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي أنهم بمزيد من الضغط سيحقّقون أهدافًا فهم مخطئون".

وإذا كان "حزب الله" يحاول من خلال هذا الكلام استعادة جزء من قوة الردع التي تأثرت بالحرب الأخيرة، التي مني فيها بخسائر لا تعوَّض، خصوصًا بعد اغتيال أمينه العام السابق وزعيمه التاريخي السيد حسن نصر الله ، فإنّ علامات استفهام بالجملة تُطرَح حول مقاربته "العملية" في ضوء زيارة براك، وما فتحته من سجال سياسيّ داخليّ حول السلاح وغيره، فهل يميّز الحزب بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي في هذا الصدد؟!

"واقعية" أميركية.. ولكن؟

في خضمّ التصعيد المستمر على الجبهة الجنوبية، جاءت زيارة المبعوث الأميركي توم براك إلى بيروت كمحطة لافتة على خط الوساطات الدولية، إلا أن "حزب الله" كما يقول العارفون بأدبيّاته، ليس من المراهنين عليها، وهو الذي يعتبر أنّ الولايات المتحدة ليست وسيطًا، بل طرفًا في الصراع، سواء من خلال غطائها السياسي والدبلوماسي لتل أبيب، أو عبر دعمها العسكري المفتوح لها في كلّ معاركها وحروبها، بعيدًا عن أيّ منطقٍ حقوقي أو إنساني.

من هنا، يتعامل "الحزب" بحسب ما يقول مراقبون، بميزان مزدوج، إن صحّ التعبير، فهو يرحّب، ولو بحذر، بالمقاربة "الواقعية" التي عبّر عنها المبعوث الأميركي، والذي بدا فيها أكثر "عقلانية وحكمة" من بعض الأطراف الداخلية المستعجلة لنزع السلاح ولو بالقوة، من دون اكتراث بالعواقب، ولكنّه في الوقت نفسه يعتبر أنّ الولايات المتحدة تتحمّل مسؤولية جوهرية في الضغط على إسرائيل لوقف تفلّتها، وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يبقى المدخَل لأيّ نقاش آخر.

وإذا كان الحزب ثابتًا على الموقف الذي أعلنه قبل وصول براك، عن أنه يرفض الإملاءات والضغوط الغربية، وأنّه "منفتح" على النقاش بالسلاح وغيره ضمن استراتيجية دفاعية، فإنّه بحسب المتابعين، لم يبدّل في الموقف، ولكنّه يعتبر أنّ زيارة المبعوث الأميركي ربما خدمت هذا الموقف، بعكس ما أراد خصومه، إذ فتحت في مكان ما مسار الحوار، وهو ما يمكن التأسيس عليه في المرحلة المقبلة، لكن بعد إنجاز "الأولويات" المطلوبة من إسرائيل.

التصعيد الإسرائيلي يحفّز نبرة أعلى

لا يفصل "حزب الله" الحراك السياسي الحاصل عن التصعيد العسكري الميداني. فقبل أن يصل براك إلى لبنان ، وسّعت إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف إطلاق النار، بل كثّفت من اعتداءاتها في أكثر من مكان، لتصل بعد الزيارة، رغم الإيجابية الشكليّة التي انطوت عليها، إلى مناطق بقيت "محيّدة" عن الاستهداف منذ نهاية العام الماضي، قبل أن تبلغ هذه الخروقات الذروة مع إعلان الجيش الإسرائيلي تنفيذ عمليات برية في الجنوب، ولو بدت "محدودة".

بالنسبة إلى "حزب الله"، فإنّ التصعيد الإسرائيلي لا يُفهَم سوى على أنّه "ضغط بالنار" عليه من أجل تليين موقفه، خصوصًا بعدما حدّد "الخطوط الحمراء" بوضوح، إلا أنّ ردّه على هذا التصعيد جاء معاكسًا، عبر التلويح بالرد على الخروقات الإسرائيلية ، وتأكيد "استعادة العافية"، وهي رسالة موجّهة بالدرجة الأولى إلى إسرائيل، في توقيت يعتبره الحزب حساسًا من حيث الجهوزية والقرار، يريد أن يقول إنّه جاهز معها للعودة إلى الحرب، إذا ما تطلب الأمر ذلك.

وتقرأ الأوساط المتابعة هذا التصريح على أنه بمثابة تحذير مزدوج: داخليًا، لرفع منسوب الجاهزية في بيئة الحزب؛ وخارجيًا، لإبلاغ إسرائيل وحلفائها بأن أي تجاوز للخطوط الحمراء لن يُقابَل بالصمت والصبر بالضرورة، خصوصًا أن الحزب يتعامل مع العمليات البرية الإسرائيلية على أنها اختبار مباشر لقدرته على الردع، وربما مقدّمة لفرض قواعد اشتباك جديدة لا يمكن القبول بها.

في المحصّلة، لا يُعتقَد أنّ "حزب الله" في وارد كسر قرار "الصبر الاستراتيجي"، وإن حاول الإيحاء بأنه استعاد عافيته، وبات جاهزًا للردّ على إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه، يريد أن يوصل رسالة إلى القاصي والداني بأنّ "الاستفراد به، أو الاستقواء عليه، لن يجدي نفعًا"، وهي رسالة موجّهة للجانبين الأميركي والإسرائيلي، في خضمّ اندفاعهما لنزع سلاحه، ولكن أيضًا لقوى وأطراف داخلية، يبدو أنّها مستعدّة للذهاب بعيدًا في إقفال أبواب الحوار معه...
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا