جاء في صحيفة "الجمهورية": كما بات معلوماً، فإنّ صياغة الردّ اللبناني، تطلّبت سلسلة لقاءات عقدتها اللجنة الثلاثية الممثلة للرؤساء الثلاثة عون وبري وسلام، وكذلك مشاورات متواصلة بين الرئيس بري و"حزب الله"، كان آخرها قبل ساعات قليلة من وصول برّاك، وخلصت في نهاية الأمر إلى التوافق على ما وُصفت بـ"الصيغة المثلى"، التي تحفظ بالدرجة الأولى مصلحة لبنان واستقراره السياسي والأمني، وتؤكّد سيادته على كامل اراضيه.
وكشف مصدر رفيع لـ"الجمهورية"، "أنّ الأميركيين كانوا على مقربة من هذه الاتصالات، وفي أجواء ما يجري من مداولات وطروحات خلالها، حيث كانوا يتابعونها لحظة بلحظة، وعكسوا الرضى عن الجدّية التي تقاربت فيها ورقة برّاك من قبل كل الاطراف".
وقال مصدر مشارك بحركة الإتصالات لـ"الجمهورية"، إنّ أجواء المباحثات مع الموفد الأميركي اتسمت بإيجابية كبيرة، تبدّت بصورة واضحة في المقاربات والطروحات التي أبداها، وكذلك في الليونة الصريحة التي قارب فيها الملاحظات التي تضمّنها الردّ اللبناني. إلّا أنّ هذه الإيجابية التي تبدّت في الجانب اللبناني، لا تعني نهاية المطاف، بل يمكن القول إننا قطعنا نصف الطريق، وأما في النصف الآخر، فإنّ مصير هذه الإيجابية مرهون بالتقييم الأميركي النهائي للردّ اللبناني الذي قدّم أقصى ما يمكن تقديمه، والذي سيبلّغ إلى لبنان بصورة رسمية في القريب العاجل، وفق ما أشار رئيس الوفد الأميركي، وفيه سيتحدّد بالتأكيد ما إذا كانت هذه الإيجابية قابلة للترجمة على الواقع، وبالتالي تولّي الولايات المتحدة الأميركية تسويقها مع الجانب الإسرائيلي، أو عكس ذلك تماماً. بما يعيد الامور إلى الوراء، وهذا بالتأكيد ليس بالأمر المحمود".
ورداً على سؤال، لفت المصدر إلى انّه بناءً على المحادثات التي جرت مع برّاك، يمكن تغليب الإيجابيات على السلبيات، وقد لا يطول الوقت لبروزها. وما يرجح العامل الإيجابي هو أنّ برّاك بدا في المحادثات وكأنّه أعطى موافقة مبدئية على الردّ اللبناني، طبعاً موافقة غير نهائية في انتظار ما سيقرّرونه رسميّاً حياله، لذلك الكرة الآن في الملعب الأميركي، وما علينا سوى الانتظار".
ماذا في الردّ؟
بحسب معلومات موثوقة لـ"الجمهورية"، فإنّ الورقة اللبنانية تضمنت مجموعة من الملاحظات والتأكيدات، تفيد بما يلي:
اولاً، التزام لبنان الكامل بالقرار 1701 ونشر الجيش في منطقة جنوبي الليطاني بالتعاون والتنسيق مع قوات "اليونيفيل". بحيث لم يعد هناك أي مراكز عسكرية (لـ"حزب الله) أو لأيّ مظاهر مسلحة قي تلك المنطقة.
ثانياً، الالتزام الكامل باتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في تشرين الثاني الماضي. مع لحظ عدم قيام لبنان بأيّ خرق لهذا الاتفاق.
ثالثاً، التأكيد على أنّ لبنان نفّذ كلّ ما هو مطلوب منه في ما خصّ القرار الدولي 1701 واتفاق وقف إطلاق النار، خصوصاً في منطقة جنوبي الليطاني. مع تجديد التمسك بقوات "اليونيفيل" واستكمال دورها ومهمتها بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الجيش اللبناني.
رابعاً، التأكيد على عدم احترام اسرائيل للقرار 1701، وتماديها في خرق اتفاق وقف إطلاق النار واستمرارها في أعمالها العدائية ضدّ لبنان وانتهاكاتها للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً (عدد الخروقات بات يقارب 4 آلاف خرق)، وهو الامر الذي يشكّل العائق الأساس أمام إكمال الجيش اللبناني مهمّته في منطقة جنوبي الليطاني، وقد اشارت إلى ذلك تقارير "اليونيفيل" والأمم المتحدة.
خامساً، التأكيد على الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي، وعلى الحاجة إلى جوّ دولي ضاغط على إسرائيل، ولاسيما من قبل الدول الراعية لاتفاق وقف اطلاق النار، لإلزامها، باحترام القرار 1701 واتفاق وقف النار، ووقف اعتداءاتها، والانسحاب الكامل من الاراضي اللبنانية المحتلة وعلى وجه الخصوص التلال الخمس، والإفراج عن الأسرى اللبنانيين.
سادساً، انّ الدولة اللبنانية ثابتة على قرارها بحصريّة السلاح بيدها وحدها، وفق المسار الحواري بالديبلوماسية الهادئة الذي انتهجه رئيس الجمهورية. كما هي ثابتة على قرارها ببسط سيادتها كاملة على كامل حدودها وأراضيها، وضبط المعابر ومنع التهريب، واستكمال الإجراءات الإصلاحية، وفق ما جرى التأكيد عليه في خطاب القَسَم لرئيس الجمهورية، والبيان الوزاري للحكومة.
سابعاً، انّ الأولوية هي لحفظ الأمن في لبنان، خصوصاً في منطقة الجنوب، وصيانة سلمه الأهلي واستقراره في شتى المجالات، ومنع أيّ محاولات، او أيّ إجراءات من شأنها أن تخلّ بها او تشكّل عامل توتير، ما يستدعي توفير الدعم اللازم للجيش اللبناني بالعتاد والإمكانات، وخصوصاً في ظل ما تشهده المنطقة من تغيّرات وتحولات.
ثامناً، تأكيد حاجة لبنان إلى توفير الإمكانات المالية العاجلة التي تمكّنه من إعادة إعمار المناطق المهدّمة بفعل العدوان الإسرائيلي، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية والبقاع والقرى الجنوبية المدمّرة.
تاسعاً، التأكيد على حرص لبنان على افضل علاقات مع سوريا، وعلى انّ ضرورات الأمن والاستقرار في لبنان باتت تستدعي توجّهاً دولياً عاجلاً لمساعدة لبنان على إنهاء ملف النازحين السوريين الذين بات عددهم يفوق المليوني نازح، وإعادتهم إلى بلدهم، وخصوصاً انّ ظروف انتقالهم إلى لبنان قد انتفت مع الحكم الجديد في سوريا.