آخر الأخبار

الاغتراب ليس Menu la carte

شارك
لم يشهد أي بلد في العالم بدعة كالبدعة، التي تضمنّها قانون الانتخاب اللبناني، لجهة حصر التمثيل الاغترابي بستة مقاعد نيابية، مع العلم أن عدد هؤلاء المغتربين، الذين ينتمون إلى مختلف العائلات الروحية هو أكثر من ضعف اللبنانيين، الذين لا يزالون يعيشون في لبنان . وهذه البدعة – الخطيئة شاركا في وضعها جميع الكتل النيابية، التي وافقت حينها على القانون الجديد، الذي اعتمد النسبية للمرّة الأولى في تاريخ القوانين الانتخابية السابقة. وهذه "الخطيئة" يتحمّل وزرها اليوم الجميع بمن فيهم القوى التي تطالب بتعديل المادة 122 من هذا القانون، الذي يحجّم التمثيل الاغترابي. ولأن لا قوة تأثيرية مباشرة لهذا الاغتراب لفرض ما تراه مجموعات كبيرة من المغتربين، وبالأخصّ في الدول التي فيها كثافة اغترابية كبيرة كأستراليا وكندا والأميركيتين الشمالية والجنوبية، فإن ثمة اتجاهًا جدّيًا لقطع الجسور ما بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر، وبالأخصّ لجهة التحويلات المالية التي تقدّر سنويًا بتسعة مليارات دولار، وهي التي لا تزال تجعل لبنان قادرًا على الوقوف على رجليه وعدم الانهيار أمام الصعوبات والمشاكل التي يعاني منها.
فالمغترب ليس Menu à la carte، بل هو جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني الداخلي. له الحقوق نفسها كما عليه الواجبات ذاتها تجاه وطنه الأمّ مثله مثل أي لبناني. وهذا ما لحظه الدستور اللبناني، وهذا ما شدّدت عليه كل البيانات الوزارية، التي علقّت الآمال الكبيرة على الدور الاغترابي في عملية التعافي. وهذا ما قام به الاغتراب في أقسى الظروف التي مرّ بها لبنان. ولولا هذا الدعم المعنوي والممادي لما استطاع اللبنانيون الصمود في وجه العواصف العاتية، التي كادت تطيح به.
لا شكّ على الاطلاق بأن للصوت الاغترابي تأثيره الفاعل على العملية الانتخابية في لبنان، وإن كانت تفصل بين المغترب والمقيم آلاف الأميال والمحيطات. وهذا ما أظهرته نتائج الانتخابات الأخيرة في ربيع سنة 2022. وهذا ما ستبّينه أي نتيجة مستقبلية، حيث سيكون للصوت الاغترابي التأثير المباشر، لأن صوته "بيودي لبعيد".
أمّا ما يحاول بعض الأفرقاء السياسيين من الترويج له عبر مغالطات دستورية لا تنطبق على الواقع الاغترابي، الذي له حيثيته المميزة، وهو يتمتّع بكامل حقوقه المدنية والسياسية كأي لبناني في آخر بلدة أو قرية لبنانية، فإنها ستؤول إلى الفشل الحتمي.
لم تكن الغربة بالنسبة إلى المغترب اللبناني أينما وجد خيارًا أو ترفًا، بل أجبرته الظروف القاسية، التي يعاني منها لبنان والتي تتكرر في حقبات زمنية متقاربة حيناً ومتباعدة أحياناً، على ترك وطنه والبحث عن أماكن أكثر امانًا واستقرارًا في أصقاع الأرض قاطبة. ومن حقّ هذا المغترب، إلى أي طائفة أو حزب انتمى، أن يشارك في اختيار نواب الأمة، وأن يكون لمشاركته المباشرة مساهمة في صنع القرار الداخلي لما لهذه المشاركة من أثر فاعل في الحياة السياسية اللبنانية .
فالمغترب يصوّت بكل حرية ومن دون أن تُمارس عليه أي ضغوطات مادية أو معنوية. فهو صاحب القرار، وينتخب وفق قناعاته الشخصية والسياسية. وهذا ما يحتاج إليه الناخب المقيم حتى تستقيم الحياة السياسية، وحتى يكون التمثيل صحيحًا مئة في المئة. وهذا ما يؤّمنه القانون الحالي على رغم ما فيه من ثغرات.
فالجلسة التشريعية أمس أدخلت البلاد في متاهات سياسية لها أول وليس لها آخر، خصوصًا بعدما رفض الرئيس نبيه بري إدراج الاقتراح القانون المعجّل المكرّر القاضي بتعديل المادة 122 من قانون الانتخاب، الأمر الذي دفع بنواب " القوات اللبنانية " وحزب "الكتائب اللبنانية" وعدد من النواب التغيريين والمستقلين إلى الانسحاب من الجلسة، التي لم تفقد نصابها.

وهذا الموضوع الخلافي الساخن قد أضيف إلى المواضيع الخلافية الأخرى، بعدما تحوّل إلى عنوان مبارزة وليّ أذرع بين كتل أساسية أبرزها "القوات اللبنانية" والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي والعديد من النواب المستقلين والتغييريين من طوائف واتجاهات عدة من جهة، و"الثنائي الشيعي" و" التيار الوطني الحر " من جهة مقابلة، على خلفية المطالبة بانتخاب المغتربين لجميع النواب أسوة بالمقيمين. إلاّ أن إصرار الرئيس بري على اسقاط الاقتراح ينذر بعاصفة سياسية لن تهدأ قبل تحقيق هذا المطلب. وهذا ما أعلنه النواب جورج عدوان وسامي الجميل وميشال معوض وعدد آخر من النواب، الذين أبدوا خشيتهم من أن يكون هذا الأمر مقدمة لتطيير الانتخابات النيابية في ربيع 2026.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا