عقدت في ليماسول، في شراكة استراتيجيّة بين مجموعة «نختار الحياة» وجامعة «دار الكلمة» (فلسطين)، و«ملتقى التأثير المدنيّ» (لبنان)، و«أكاديميّة بغداد للعلوم الإنسانيّة» (العراق)، ومركز «السبيل» المسكونيّ للاهوت التحرّر (فلسطين)، ورشة عمل إقليميّة بعنوان «حروب
الشرق الأوسط ومسارات العدل والكرامة الإنسانيّة»، شارك فيها 22 خبيرة وخبيراً في اللاهوت والعلوم الإنسانيّة والقضايا الجيو-سياسيّة من فلسطين، ولبنان، وسوريا، والأردنّ ومصر، والعراق.
سيطرت على الحلقة، بحسب بيان عن "الملتقى"، "أجواء حرب الإبادة المستمرّة منذ نحو سنة وثمانية أشهر ضدّ الشعب الفلسطينيّ في غزّة، وما يصاحبها من ضرب القانون الدوليّ عرض الحائط على يد عدد من الدول ذات النفوذ والتأثير، ولجوئها إلى ازدواجيّة المعايير في التعامل مع ما يحدث على أرض فلسطين التاريخيّة، يضاف إلى ذلك ما تقوم به بعض المجتمعات من خلق ظروف سياسيّة كفيلة بدفع شعوب بأسرها إلى دوّامة العنف والتهميش وزجّها في منزلة بين الحياة والموت (Necropolitics)، كذلك لا سيّما عبر سعيها إلى مضاعفة إنتاج الأسلحة وتعزيز اقتصاد الحرب. تابع المجتمعون، إبّان الساعات الأخيرة من لقائهم، بقلق بالغ
أخبار الهجوم الإسرائيليّ على
إيران وما يستتبعه من تصاعد العنف في منطقتنا".
توزّعت أعمال الورشة على خمس جلسات، بالإضافة إلى جلسة افتتاحيّة وأخرى ختاميّة.
الجلسة الافتتاحيّة أدارها ميشال نصير، وعَرَضت فيها المؤسّسات الشريكة "رؤيتها ومعايير التزامها في الشأن العامّ، فضلاً عن تقديم إشكاليّة الحلقة ومنهجيّتها وأهدافها".
الجلسة الثانية بعنوان «الشرق الأوسط في عين العاصفة: معادلات جيو-سياسيّة ومقاربات لاهوتيّة» ترأّستها مريم كيرلس وتكلّم فيها متري الراهب وزياد الصائغ.
حملت الجلسة الثالثة عنوان «الهويّات الدينيّة في الشرق الأوسط بين التعدّديّة والمواطنة»، ترأسها خليل نجم وتحدّث فيها رنا
الترك وسيمون كشر.
الجلسة الرابعة بعنوان «الهجرة واللجوء والنزوح في الشرق الأوسط: تحدّيات الديموغرافيا» ترأّستها بيان التلّ وتحدّثت فيها عالية منصور ورينيه حتر.
عنوان الجلسة الخامسة كان «ديناميّات التغيير في الشرق الأوسط: خيارات ومسارات»، ترأّسها عمر حرامي وتحدّث فيها كلّ من محمّد مطر وجورج زيدان.
أمّا الجلسة السادسة فكانت بعنوان «لاهوت العدل وكرامة الإنسان في الشرق الأوسط: أيّ دور للشباب والنساء؟»، ترأّسها أسعد الياس قطّان وتكلّمت فيها داليا اللقّيس وليلي حبش.
إبّان الجلسة الختاميّة، تطرّق المشاركاتُ والمشاركون إلى الخطوط الكبرى للبيان الختاميّ وصاغوا عدداً من التوصيات مع خلفيّة فكريّة في ما يلي:
"يواجه الشرق الأوسط منذ عقود حال عدم استقرار على المستويات كافّةً تضافرت على صنعها احتلالات وديكتاتوريّات وكولونياليّات، ما أدّى إلى تدمير البنية الدستوريّة والقانونيّة والمؤسّساتيّة للدُوَل، وإضعاف فرص قيام العدل واستعادة الكرامة الإنسانيّة. الإنسان في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من تمايزات تفرضها الجغرافيا ويفرضها التاريخ، غالباً ما يكون الضحيّة. هذا كلّه يستدعي التفكّر في ماهيّة مسارات العدل والكرامة الإنسانيّة والمواطنة المفترضة، وخصوصاً حيال التحوّلات الجيو-سياسيّة الهائلة التي تعيشها منطقتنا المأزومة، حيث تتصاعد دوّامة العنف منذ عقود. من هنا أيّ دور للقوى المجتمعيّة الحيّة في إنجاز تغيير إيجابيّ يُعيد للإنسان كرامته، ولدولة القانون والمؤسّسات فاعليّتها، ولإدارة الموارد حوكمةً رشيدة؟ غنيّ عن القول أنّ هذا الدور يجب أن يتشكّل من ضمن خيار المواطنة الحاضنة للتنوّع، والاستناد إلى ديناميّات تغيير فاعِلة، تتشارك فيها القوى المؤثّرة في القطاعات جميعها بغية استعادة الخير العامّ إلى الشأن العامّ.
من هنا، يؤكد المشاركات والمشاركون ما يأتي:
أوّلاً: إنّ قراءةً سياقيّةً للكتاب المقدّس تبيّن ارتباط اللاهوتيّ بالجيو-سياسيّ ارتباطاً وثيقاً، وتدعونا إلى إعادة قراءة خيارات الماضي، في سبيل نشر الرجاء في زمن اليأس، وتشكيل
المستقبل . هذا التشكيل أنّى له أن يتحقّق ما لم نلتزم بقيم العدالة والمواطنة الجامعة كأداة لتجديد دور المسيحيّين وشركائهم في المواطنة، طمعاً في الدفاع عن الكرامة الإنسانيّة، وإنتاج خطاب لاهوتيّ يعزّز الانخراط في مناصرة قضايا العدل.
ثانياً: من الضروريّ بمكان إعادة تحديد العلاقة بين الهويّة الدينيّة والمواطنة، إذ إنّ الأخيرة لا تقصي الهويّات المتعدّدة، بل تؤطّرها وتمنع استغلالها على يد الساسة، بما يضمن تكامل الانتماء الإيمانيّ مع الالتزام الوطنيّ الجامع. التعدّد الدينيّ رافعة غنًى وليس تهديداً، شرط أن يُصان عبر عقد اجتماعيّ عادل ومتوازن. في هذا الإطار، يمكن إعادة قراءة الهويّة المسيحيّة كقوّة مشاركة في بناء دولة المواطنة والعدالة.
ثالثاً: كثيراً ما تكشف مقاربة قضايا الهجرة واللجوء والنزوح الفجوة بين الدولة والمجتمع والمؤسّسات المانحة، فضلاً عن الاستعانة بالحلول اللحظيّة وغياب السياسات العامّة، يضاف إلى ذلك مفاعيل العنصريّة الكامنة في النفوس بسبب خوف الناس ممّن لا يشبههم. من منظور لاهوتيّ وإنسانيّ، لا بدّ من وضع كرامة الإنسان في قلب الأولويّات مع صون سيادة الدول المضيفة وحقّ العودة، فضلاً عن الحفاظ على التنوّع الديموغرافيّ بوصفه عامل استقرار وتعبيراً عن شراكة تاريخيّة بين مكوّنات المجتمع.
رابعاً: يبدو الشرق الأوسط اليوم مفتوحاً على سيناريوهات عديدة من الصعب التكهّن بغلبة أيّ منها، مع تقدّم ملحوظ لخيار الدبلوماسيّة الاقتصاديّة. نرصد، بالإضافة إلى ذلك، حال «سيلان» للحدود، ولا سيّما بالنظر إلى الاحتلال الإسرائيليّ لفلسطين التاريخيّة وبعض الأراضي العربيّة الأخرى. على المستوى القانونيّ، ثمّة محاولة لنزع شرائح من البشر من حماية القانون كي يصبح من الممكن قتلهم خارج القانون. هذا كلّه يقتضي استعادةً لمفهوم العدل بوصفه مفهوماً أخلاقيّاً يقدّم إطاراً ناظماً للعلاقات البشريّة بمعزل عن الجغرافيا.
خامساً: مشكلة الخطاب الدينيّ في منطقتنا أنّه نادراً ما يتكلّم عن العدل في علاقته بالشأن العامّ، ويقع مفهوم العدل أيضاً ضحيّة التأويلات المتضاربة من جهة السلطة الدينيّة وتقاعس الإعلام في تسليط الضوء على المشاكل البنيويّة، ولا سيّما الضعف في إشراك الشباب والنساء في صوغ مقاربة لاهوتيّة للعدل وتجسيدها. على وجه العموم، تواجه عمليّة تمكين النساء والشباب في منطقتنا، وهي شرط بنيويّ لتحقيق العدالة، تحدّيات عديدة كإشكاليّات الجندر والبيئة وإدماج ذوي الاحتياجات الخاصّة والقفزات التكنولوجيّة المتسارعة. كذلك ثمّة صعوبات جمّة في الانتقال من مفهوم العدالة العقابيّة إلى مفهوم العدالة الترميميّة.
إختتم المشاركون والمشاركات ورشتهم بصوغ عدد من التوصيات، أبرزها العمل على تكثيف الوعي بما تمّ إنجازه حتّى الآن من وثائق ومبادرات، وذلك عبر تنظيم وُرش عمل قُطريّة بالتعاون مع مؤسّسات مثل «المعهد الملكيّ للدراسات الدينيّة» في الأردنّ و«مرصد الحوكمة الرشيدة والمواطنة» التابع للجامعة الأميركيّة في
بيروت . يضاف إلى ذلك جمع البيانات والوثائق المختصّة بمسارات العدل والكرامة الإنسانيّة ووضعها في متناول العموم إلكترونيّاً".