تُمعن
إسرائيل في تصعيد خروقاتها داخل الأراضي
اللبنانية ، متجاوزة بذلك حدود الاشتباك التقليدي إلى سلوك يومي استفزازي يستهدف بيئة الضاحية الجنوبية لبيروت بشكل خاص.
منذ فترة ، يطلب من
قيادة الجيش بشكل شبه يومي تفتيش مواقع محددة داخل الأحياء المدنية في الضاحية، استناداً إلى معلومات "أمنية" ترسلها إسرائيل عبر قنوات معروفة، تدّعي فيها وجود بنى عسكرية لـ"
حزب الله ". ولكن، وفي كل مرة، يتبيّن أن هذه المواقع خالية تماماً من أي وجود مسلح، وأن البلاغات
الإسرائيلية مبنية على معلومات إما قديمة أو مفبركة.
هذا الأسلوب المستجد، والذي يبدو أنه جزء من استراتيجية ضغط سياسي ونفسي، لا يمكن اعتباره مجرد "إزعاج ميداني" فحسب. فالتكرار المنهجي لهذه البلاغات الكاذبة، وإقحام الجيش بشكل يومي في عمليات تفتيش عبثية، يشكل انتهاكاً صريحاً للسيادة اللبنانية، ويضع الدولة أمام خيارين كلاهما مكلف: إما تجاهل البلاغات والتعرض لضغوط دبلوماسية دولية، وللقصف الاسرائيلي أو الانخراط في لعبة إسرائيل بهدف فضح كذبها.
لكن اللافت في هذه المرحلة هو صبر "حزب الله". فعلى الرغم من أن الانتهاكات تُعدّ في قاموسه "أسبابًا كافية للرد"، لا يزال الحزب يُمسك بزمام الوقت، مدركًا أن الاستعجال في الرد قد يخدم الأجندة الإسرائيلية أكثر مما يخدم استراتيجية "تراكم الردع" التي يتّبعها. فالحزب، لا يكشف عن أوراقه، ولا يزال يخفي قدرات عسكرية واستخباراتية كبيرة، تدركها إسرائيل لكنها لا تراها، ما يُبقي عنصر المفاجأة في يد الحزب.
أكثر من ذلك، يعرف الحزب أن ميزان الوقت يميل لصالحه، ليس فقط بسبب تعقيدات المشهد السياسي
الإسرائيلي ، والانقسامات الداخلية التي تضرب حكومة
نتنياهو ، بل أيضًا نتيجة التقدم البطيء والمضبوط في مفاوضات
واشنطن وطهران، والتي تُعدّ البيئة الإقليمية المحيطة بالحزب عنصراً حاسماً فيها.
لكن هذا التريّث ليس بلا سقف. فاستمرار إسرائيل في هذا النهج الاستفزازي، سواء عبر
الغارات الجوية أو عبر "التقارير الكاذبة" عن مواقع في الضاحية، من شأنه أن يفرض ردًا ما، عاجلًا أم آجلًا. والمفارقة أن إسرائيل، في سعيها لكشف قدرات الحزب، قد تكون هي نفسها من يدفعه إلى استخدامها.
إن خطورة المرحلة لا تكمن في اندلاع مواجهة واسعة فحسب، بل في تحول الخروقات اليومية إلى نمط اعتيادي يُطبع في العقل اللبناني كأمر واقع، في حين أن
المقاومة تنظر إليها كـ"تراكم استفزازي" يستوجب ردة فعل، حين تحين اللحظة المناسبة.