من قلب التحديات التي يواجهها
لبنان ، تتجلى روح لا تقهر وقدرة فريدة على تحويل الصعوبات إلى فرص. هي حقيقة يعيشها اللبنانيون يوميًا، رغماً عن الرغبة القاتلة أحياناً بالإستسلام إلى الحلول السهلة كالهجرة، وتتجلى هذه الحقيقة من خلال مشاريع صغيرة ومبادرات مجتمعية تنسج خيوط الأمل والإيمان في صميم لبنان.
فبينما يواجه الاقتصاد تحديات غير مسبوقة، يرفض الكثيرون الاستسلام، بل يختارون طريق الابتكار وريادة الأعمال. من هنا، لم تعد المشاريع الصغيرة مجرد وسيلة لكسب العيش، بل أصبحت شريان حياة للمجتمعات وفعل مقاومة حقيقيا.
فبتنا نرى منذ العام 2019 حتى اليوم، شباناً يفتتحون مطاعم منزلية صغيرة تقدم أطباقًا أصيلة ومتنوعة، معتمدين على المنتجات المحلية لدعم المزارعين والصناعات الحرفية، كما بات شائعاً أن نرى عربات مخصصة لتحضير وتقديم الأطعمة السريعة على جوانب الطرقات.
من الطعام إلى المتاجر الإلكترونية التي تبيع المنتجات اليدوية، من الصابون الطبيعي إلى المجوهرات المصنوعة برقيّ، مما يفتح أسواقًا جديدة خارج الحدود الجغرافية. وهنا يلمع دور النساء على وجه الخصوص، هنّ اللواتي يبرعن في هذا المجال، ويحوّلن مهاراتهن التقليدية إلى مشاريع مدرة للدخل، سواء في الخياطة، الطبخ، أو حتى إعادة تدوير المواد لإنتاج تحف فنية.
كما أن من أبرز المشاريع التي أثبتت قدرة
اللبناني على الصمود وعلّم من خلالها العالم فنّ البقاء، مبادرات الزراعة الحضرية ووالمبادرات الريفية المستدامة حيث اتجه العديد من اللبنانيين إلى زراعة ما يحتاجونه بأنفسهم، فضلاً عن تحويل منازل قديمة في الأرياف خاصة إلى بيوت ضيافة تعزز السياحة في قرى لبنان الخلابة.
ولا يجب أن نغيب بشكل أكيد عن مبادرات دعم الصحة النفسية التي رأيناها تنشط لتنقذ الشباب اللبناني على وجه الخصوص من الأفكار السوداوية في خضّم كل المآسي التي يمرون بها.
الجميل في هذه المشاريع هو أنها لا توفر الدخل فقط، بل تعزز الشعور بالكرامة والاستقلالية، وتثبت أن الإبداع لا يعرف حدودًا في أوقات الشدة.
من هنا، تتجاوز قدرة اللبنانيين على الصمود الجانب الاقتصادي لتمتد إلى تكاتفهم المجتمعي. في ظل تراجع
الخدمات العامة ، نشهد طفرة في المبادرات التي يطلقها الأفراد والمجموعات لسد الفجوات. من حملات تنظيف الأحياء التي ينظمها المتطوعون، إلى المطابخ الخيرية التي توفر وجبات ساخنة للمحتاجين
كما أن المبادرات التعليمية تهوّن الحياة على الكثيرين، حيث يقوم العديد من المعلمين المتقاعدين أو المتطوعين بتقديم دروس تقوية مجانية للطلاب الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التعليم الخاص. وهذه الجهود، وإن كانت تبدو صغيرة، إلا أنها تشكل شبكة أمان اجتماعي
غير مرئية ، تحمي الأكثر ضعفًا وتمنحهم بصيصًا من الأمل.
ما نراه اليوم في لبنان ليس مجرد رد فعل على الأزمة، بل هو تجسيد لثقافة عميقة الجذور من الصمود والمرونة. إنها رسالة للعالم بأن الأمل يولد من رحم المعاناة، وأن
المقاومة لا تحتاج دوماً لسلاح فتّاك، بل يمكن أن تكون على شكل إبداعي يزدهر في أحلك الظروف.