لبنان في قلب التحولات الإقليمية

مصدر الصورة

يتحرك المشهد الإقليمي في مسار معقد، لكنه يتجه تدريجياً نحو رسم توازنات جديدة سيكون لها انعكاسات مباشرة على الساحة اللبنانية . فعلى الرغم من استمرار التوترات السياسية والأمنية في الداخل اللبناني، لاسيما المرتبطة بالمواجهة المفتوحة مع إسرائيل ، إلا أن العوامل الخارجية بدأت تتقدم لتشكّل الإطار الذي ستُبنى عليه المرحلة المقبلة داخلياً وخارجياً.

في هذا السياق، تبقى المفاوضات بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران محوراً أساسياً في تحديد اتجاهات المرحلة. ورغم التصعيد الكلامي الذي يرافق هذا المسار بين الطرفين، إلا أن خطوط التواصل لم تنقطع، بل تتقدم بهدوء نحو تسوية يبدو أنها باتت حاجة مشتركة، خصوصاً في ظل التعقيدات الدولية المتراكمة وعلى رأسها النزاع المستمر في أوكرانيا . ومن هنا، برز الدور الروسي المتقدم مع دخول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خط الوساطة مع طهران ، ما أضاف ثقلاً سياسياً قد يساهم في تسريع الوصول إلى تفاهمات إقليمية أوسع.

في موازاة ذلك، تشهد الساحة الإسرائيلية تطورات داخلية متسارعة بدأت تنعكس على موقع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ، وسط ضغوط داخلية متنامية نتيجة تعثر الأهداف المعلنة للحرب، وتزايد الكلفة السياسية والعسكرية المترتبة عليها. هذا الواقع يضع إسرائيل أمام خيارات صعبة، ويحدّ من قدرتها على إطالة أمد المواجهة، الأمر الذي يعزز بدوره فرص تثبيت أي تسوية محتملة يجري العمل عليها في أكثر من اتجاه.

أما في لبنان ، فإن تداعيات هذه التحولات الكبرى ستبدأ بالظهور بشكل أوضح مع تقدم الأشهر المقبلة، إذ إنّ الاستحقاقات الداخلية، وعلى رأسها الانتخابات النيابية المرتقبة، ستعكس بدقة حجم تأثير هذا المشهد الإقليمي على موازين القوى الداخلية. إلى جانب ذلك، يبرز ملف إعادة الإعمار كإحدى القضايا المحورية التي ستخضع بدورها لحسابات هذا التوازن المستجد، خصوصاً أن إعادة إطلاق عجلة الإعمار ستتطلب توافقات سياسية ومالية لن تكون ممكنة إلا تحت مظلة التسوية الإقليمية الأشمل.

بهذا المعنى، يصبح واضحاً أن المسار اللبناني لم يعد معزولاً عن التطورات الإقليمية والدولية، وأن معادلة الداخل سترتبط بشكل مباشر بنتائج التفاهمات الخارجية التي يجري بناؤها بصمت على أكثر من خط، في انتظار اللحظة السياسية المناسبة لترجمتها عملياً على أرض الواقع.