ايران في لبنان.. الحفاظ على الحد الادنى

مصدر الصورة

في مشهد إقليمي متغيّر، جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي إلى بيروت لتؤكد مجددًا تمسّك طهران بالحفاظ على نفوذها في لبنان ، خصوصًا في ظل مرحلة دقيقة تمر بها المنطقة.

الزيارة، التي أعقبت محطة تاريخية في القاهرة، لا يمكن فصلها عن الحراك الإيراني المتجدد لإعادة رسم ايران لدورها الإقليمي في ضوء المتغيرات المتسارعة.

فإيران، التي عانت خلال السنوات الماضية من عزلة دولية وضغوط اقتصادية وسياسية خانقة، ومن ضربات عسكرية اصابت حلفاءها، تبدو اليوم وكأنها تعود تدريجيًا إلى قلب التفاعلات الإقليمية. وهذا ما عكسته بوضوح زيارة عرقجي إلى مصر، ثم زيارته إلى لبنان التي حملت دلالات سياسية وإنمائية في آن معًا.

في بيروت، حمل عرقجي عرضًا واضحًا: استعداد إيران لتحمّل جزء كبير من كلفة إعادة الإعمار، لا سيما في الجنوب اللبناني والمناطق المتضررة من العدوان الإسرائيلي . وهذا الموقف لا ينفصل عن الرغبة الإيرانية في ترسيخ شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع لبنان، تتجاوز الدعم السياسي والعسكري إلى البعدين الاقتصادي والخدماتي.

المفارقة أن هذا الطرح الإيراني يأتي بالتوازي مع مسارين متناقضين ظاهريًا، لكنهما متكاملان في العقل الإيراني: الأول هو التصعيد العسكري المتواصل في أكثر من ساحة إقليمية، والثاني هو التقدّم في المفاوضات النووية الجارية. فإيران تُرسل إشارات مزدوجة إلى العالم، مفادها أنها قادرة على خوض المواجهة عندما يلزم، ولكنها في الوقت ذاته منفتحة على التسويات إذا ما احترمت مصالحها.

بهذا المعنى، فإن زيارة عرقجي إلى بيروت ليست فقط تعبيرًا عن دعم تقليدي لحلفاء طهران، بل هي خطوة محسوبة ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى توسيع هامش التأثير الإيراني وإعادة تأطير دور الجمهورية الإسلامية على الساحة الإقليمية.

الرسالة الأوضح من الزيارة أن طهران لن تتراجع عن حضورها في لبنان، بل تسعى إلى تعزيزه من بوابة إعادة الإعمار والربط التنموي، مستفيدة من اللحظة السياسية الحالية التي تشهد فراغًا في المبادرات العربية والدولية. والأهم أنها تفعل ذلك وسط مروحة اتصالات دبلوماسية واسعة تعيدها إلى مربّع الفعل لا ردّ الفعل في المنطقة.

لم يأتِ عرقجي فقط حاملاً رسائل سياسية، بل جاء ممثلًا لتحول إيراني مدروس يعيد تموضع طهران كرقم موجود في معادلة الشرق الأوسط الجديدة.