آخر الأخبار

انتكاسة تغييرية مفاجئة.. هل يعيد المجتمع المدني النظر بأدائه؟!

شارك
كثيرة هي الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من تجربة الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة، لعلّ على رأسها استعادة الأحزاب السياسية التقليدية لعافيتها نسبيًا، واستمرار "الكباش" بين " القوات اللبنانية " و" التيار الوطني الحر " مسيحيًا، مع تقدّم في النقاط للأولى، إضافة إلى تكريس تحالف " حزب الله " و" حركة أمل " تفوّقه على المستوى الشيعي ، بعيدًا عن كلّ "البروباغندا" التي أعقبت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان .

إلا أنّ الخلاصة التي قد لا يختلف عليها اثنان، تبقى تلك المرتبطة بما يصطلح على وصفه بـ"انتكاسة التغيير"، فالمجتمع المدني خرج "الخاسر الأكبر" من هذه الانتخابات، بمجمل محطّاتها، مسجّلاً تراجعًا هائلاً في الأرقام التي حقّقتها اللوائح المحسوبة عليه على مستوى الوطن، ليس فقط عن الانتخابات النيابية الأخيرة، التي أفرزت كتلة "تغييرية" واسعة، ولكن حتى عن الانتخابات البلدية لعام 2016، أي قبل احتجاجات العام 2019.

تفرض هذه "الانتكاسة" مراجعة حقيقية من جانب المجتمع المدني ، للأداء الذي أظهره خلال السنوات الماضية، في محاولة لفهم أسباب التراجع، التي جعلت الناس تلجأ إلى الأحزاب التي كانت قد ابتعدت عنها، أو بالحدّ الأدنى، تعتكف في بيوتها، وتمتنع عن التصويت، فكيف يقرأ "التغييريون" التجربة البلدية، وأيّ دروس وعِبَر يأخذون منها، وكيف يستفيدون منها لتفادي سيناريو "مماثل" في الانتخابات النيابية المنتظرة العام المقبل؟

"الحقيقة المُرّة"

بخلاف الأحزاب السياسية التي تجد دائمًا "مَخرَجًا" يسمح لها بادّعاء الانتصار كيفما مالت الدفّة، بدليل أنّها كلّها اعتبرت نفسها "رابحة" بنتيجة الانتخابات البلدية، بمعزل عن الإخفاقات التي منيت بها، وإن تفاوتت نسبتها، وجدت قوى "التغيير" نفسها مضطرة للاعتراف بالحقيقة "المُرّة"، فلا مجال لادّعاء أيّ ربح أو انتصار، أمام الوقائع التي لم تكن تحسب لها حسابًا، فالخروقات كانت "نادرة"، وفي معظم الأحيان، جاءت من مستقلّين، غير محسوبين بالضرورة عليها.

تكفي تجربة انتخابات بلدية بيروت لتأكيد هذه "الانتكاسة"، فلائحة " بيروت مدينتي" مثلاً التي خاضت الاستحقاق في وجه مجموعة من اللوائح، على رأسها لائحة الأحزاب، والتي أصرّت على المضيّ بالمعركة حتى النهاية، وتصوّرت أنّها قادرة على الخرق، جاءت نتائجها أكثر من "مخيّبة"، فهي لم تحقّق أيّ خرق، لكنها لم تحلّ أيضًا في المرتبة الثانية بين اللوائح المتنافسة، كما أنّ الأرقام التي حقّقتها جاءت متواضعة، وأقلّ بكثير من تلك التي حقّقتها عام 2016.

ويسري الأمر نفسه على المناطق الأخرى، التي كرّست فيها الأحزاب نفوذها وتفوّقها، وغاب أيّ وجود للمجتمع المدني، حتى في المناطق التي تشتّتت فيها الأصوات، بما في ذلك مثلاً في صيدا وطرابلس، فضلاً عن المناطق المسيحية التي كرّس " التيار " و"القوات" فيها تقدّمهما، كما فعل " الثنائي " في الجنوب والبقاع، حيث كان لافتًا أيضًا أنّ القوى التي نافسته في بعض القرى حقّقت أرقامًا خجولة، تقلّ عن تلك التي حقّقوها أساسًا في استحقاق 2016.

"الرسالة وصلت"

أمام هذه المعطيات، كان واضحًا أنّ القوى المحسوبة على ما عُرِف بـ"معسكر التغيير" منيت بالخسارة في هذه المعركة، ولو أنّ هذه القوى كانت أساسًا منقسمة في مقاربتها، تمامًا كما انقسمت على نفسها إزاء معظم الاستحقاقات السياسية التي واجهتها، منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، التي خرج منها ما سُمّي بـ"تكتّل التغيير"، فأخذ يتقلّص مع الأيام، ليصبح اليوم عبارة عن مجموعة من الكتل، التي لا تتقاطع على موقف واحد إلا فيما ندر.

لعلّ هذا الأمر بالتحديد هو أحد الأسباب الأساسية لـ"انتكاسة التغيير" في هذه الانتخابات، كما يقرّ أحد المحسوبين على هذه القوى، أو ربما على أحد نوابها، باعتبار أنّ "أجنحتها" أصبحت متعدّدة، حيث يقول إنّ الرأي العام أراد على الأرجح أن يعبّر عن امتعاضه واستيائه من الدرك الذي وصلت إليه الحالة التغييرية، بعدما كان الرهان كبيرًا عليها لإحداث "صدمة إيجابية" بعد الخرق الذي أحدثته في انتخابات 2022، فإذا بالصدمة تتحوّل إلى "سلبية".

يقول المصدر "التغييري" إنّ "الرسالة وصلت"، وإنّ قوى "التغيير" أدركت أنّ الناس غير راضية عن الأداء العام، وأنّ المطلوب إجراء مراجعة فعلية وجدّية، وتغيير ما يمكن تغييره قبل فوات الأوان، ولعلّها مُحِقّة بذلك، رغم ما يعتبره "ظلمًا" لحق بالنواب المحسوبين على هذا الخط، بتسليط الأضواء وتضخيم الرهانات عليهم، وكأنّهم يختصرون بشخصهم مجلس النواب، مع العلم أنّ لكلّ منهم توجّهاته وآراؤه التي لا تلتقي بالضرورة مع الآخر.

يقرّ نواب "التغيير" إذا بأنّ نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية لم تأتِ لصالحهم، وأنّ الناس عبّرت عن استيائها، إما بتخلّيها عن "البديل" وعودتها إلى "الأصيل"، إن جاز التعبير، في إشارة إلى الأحزاب التقليدية، أو بامتناعها عن التصويت ببساطة، وهي بحدّ ذاتها رسالة "رمزية". لكنّهم يشدّدون على أنّ المنظومة الحاكمة لا يجب أن تنام على حرير، فما جرى لن ينعكس بالضرورة على الانتخابات النيابية، وإنّ العام المقبل لناظره قريب!
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا