خلال زيارته الأخيرة إلى
قصر بعبدا ، على رأس وفد من كتلة "الوفاء للمقاومة"، حرص
النائب محمد رعد على الحديث عن "مساحة تفاهم واسعة" مع رئيس الجمهورية
جوزاف عون ، نافيًا وجود "أبواب مغلقة لتبادل الأحاديث والأفكار مع الرئيس في أيّ مستوى من المستويات"، لكن حين طُلِب منه التعليق على مواقف رئيس الحكومة
نواف سلام ، تحفّظ في الإجابة، "حفاظًا على ما تبقّى من ودّ"، وفق تعبيره.
جاء كلام رعد بعد مقابلة لرئيس الحكومة مع قناة "
سكاي نيوز عربية" قال فيها إن المنطقة شبعت من الاستقطاب
الإيراني الأميركي، معتبرًا أن "عصر تصدير
الثورة
الإيرانية انتهى". كما تطرق فيها إلى مسألة السلاح، قائلاً: "لن نسكت عن بقاء أي سلاح خارج سيطرة الدولة"، في إشارة ضمنية إلى السلاح الفلسطيني، ولكن أيضًا سلاح "
حزب الله "، الذي سبق أن اثار جدلاً واسعًا في البلد، قبل أن يدعو الحزب إلى "شطبه من القاموس".
لكن، إذا كان رعد أراد أن يتجنّب "السجال" مع سلام، حفاظًا على ما وصفه بـ"الودّ"، فإنّ الجملة التي استبدل بها تعليقه المفترض، بدت كافية لإشعال الأجواء السياسية، فأيّ رسالة أراد "حزب الله" أن يوجّهها لرئيس الحكومة في مكانٍ ما، وهل استفزّته فعلاً مواقف الأخير، وهي التي يقول كثيرون إنّها لا تختلف عن مواقف رئيس الجمهورية مثلاً، وهل تنفجر العلاقة بين الجانبين، وهي التي لم تقم على أسُس متينة أصلاً برأي العارفين؟!
علاقة "غير متينة"
يقول العارفون إنّ العلاقة بين "حزب الله" ورئيس الحكومة
نواف سلام لم تكن متينة من الأساس، فالحزب كان معارضًا لتسمية الرجل منذ بدء طرح اسمه في "البازار الحكومي" قبل سنوات، وتحديدًا بعد الاحتجاجات الشعبية في العام 2019، حتى إنّه كان يطرح دومًا علامات استفهام حول شخصه، حتى إنّ من كان يريد أن "يغيظ" الحزب في السنوات السابقة، كان يعمد إلى تسميته في الاستشارات النيابية، رغم إدراكه أنّ حظوظه لم تكن عالية.
ولعلّ الطبيعة "السلبية" للعلاقة تجلّت بوضوح عند تسمية سلام في الاستشارات النيابية الأخيرة، حيث بدا "حزب الله" يومها مصدومًا ومتفاجئًا، إذ تحدّثت أوساطه عن "انقلاب" حصل على اتفاقات وتفاهمات أبرِمت عند انتخاب رئيس الجمهورية، وقد عكسها
النائب محمد رعد نفسه بصراحة في كلمته الشهيرة خلال الاستشارات، حين تحدّث عن "تفكيك وشرذمة وإقصاء"، معربًا عن أسفه لمن يريد أن "يخدش إطلالة
العهد التوافقية".
وعلى الرغم من أنّ العلاقة بين الجانبين تحسّنت نسبيًا بعد ذلك، على الأقلّ ظاهريًا، باعتبار أنّ "حزب الله" دخل في حكومة الرئيس نواف سلام، ووافق على بيانها الوزاري، إلا أنّ مؤشّرات عدّة أظهرت وجود "خلل" على خطّها، وصل إلى "ذروته" مع الهتافات المسيئة التي قوبل بها سلام أخيرًا، حين وصفته جماهير محسوبة على الحزب بـ"
الصهيوني "، وإن سارع الحزب لإصدار بيان استنكر فيه مضمون الهتافات، لكنه لم يكن كافيًا لاحتواء الحادثة.
بين "حزب الله" وسلام
يقول البعض إنّ "الكيمياء" بين رئيس الحكومة و"حزب الله" لا تزال غائبة، وهذا بالتحديد سبب المشكلة القديمة الجديدة بين الجانبين، على الرغم من محاولة سلام مثلاً بعد تسميته "طمأنة" الحزب بأنه لا يسعى لإقصائه، وعلى الرغم من محاولات "بناء الثقة" بين الجانبين، والتي دفعت
الأمين العام للحزب الشيخ
نعيم قاسم مثلاً أكثر من مرة إلى تأكيد أنّ الأمور جيّدة، وأنّ لا مشكلة على الإطلاق مع رئيس الحكومة، بخلاف كلّ ما يُحكى في الأوساط السياسية.
مع ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام حول خلفيّات موقف "حزب الله" الأخير، علمًا أنّ الفرضية القائلة بأنّ تصريحات سلام هي السبب، وأنّ الأخير "يستفزّ" الحزب، تصطدم بحقيقة واقعة وهي أنّ ما يقوله سلام، خصوصًا في ما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، يقوله أيضًا رئيس الجمهورية
جوزاف عون، الذي سبق أن قال إنّ القرار اتُخِذ ولم يبقَ سوى التنفيذ، لكنّ الحزب يقبله من الأخير، بل يتحدّث عن "تفاهم مطلق" مع الأخير، في حين يرفضه من سلام.
لكن في المقابل، ثمّة من يتحدّث عن "فروقات" في التكتيكات المعتمدة من الجانبين، فضلاً عن شخصيّة كلّ من عون وسلام، فرئيس الجمهورية مثلاً استطاع أن يبني "علاقة تفاهم" مع الحزب بصورة أو بأخرى، وهو يكرّر دائمًا أنّ سحب السلاح يجب أن يسبقه "حوار" يشارك فيه "حزب الله"، وهنا بيت القصيد، في حين أنّ سلام لا يترك هذا "الهامش"، ما يجعله أقرب لموقف
وزير الخارجية يوسف رجّي، الذي يعترض "حزب الله" على أدائه منذ اليوم الأول.
ثمّة من يقول إنّ "حزب الله" ممتعض من سلام لأسباب أبعد من تصريحاته الأخيرة، ترتبط بأدائه بصورة عامة منذ وصوله إلى السراي الحكومي، فهو حتى الآن لم يطلق مسار
إعادة الإعمار ، على الرغم من طلبات الحزب المتكرّرة، في وقت يركّز على سحب السلاح، وكأنّه يتبنّى المقاربة الغربية، لجهة الربط بين الإثنين. ولذلك، يُطرَح السؤال بجدّية، هل تنفجر العلاقة بين الجانبين قريبًا، أم أنّ "ما تبقّى من ودّ" سيحول دون ذلك؟!