تشهد
بعبدا في هذه المرحلة حركة سياسية ناشطة تعكس العلاقة الإيجابية والمتينة التي تجمع رئيس الجمهورية بحزب الله، والتي تُرجمت مؤخرًا من خلال اللقاء الذي جمع وفدًا من كتلة "الوفاء للمقاومة" برئاسة
النائب محمد رعد مع الرئيس، في لقاء سياسي واضح الدلالة.
هذا الاجتماع لم يكن معزولًا، بل يأتي بالتوازي مع مسار حواري وتشاوري متكامل يدور بين بعبدا وعين
التينة ، ما يعكس تنسيقًا رفيع المستوى على خط
الثنائي
الشيعي ورئاسة الجمهورية، بهدف الوصول إلى موقف لبناني رسمي متماسك وواضح، تحضيراً لزيارة المبعوثة الأميركية
مورغان أورتاغوس إلى
بيروت .
المعطيات المتوافرة حتى الساعة تفيد بأن أورتاغوس لا تأتي في زيارة بروتوكولية، بل في مهمة دقيقة ذات طابع تفاوضي واضح، محملةً بسلة مطالب أميركية حاسمة. على رأس هذه المطالب: سحب كامل للسلاح الفلسطيني، بالإضافة إلى مطلب أشد حساسية يتمثل بسحب سلاح
حزب الله من جنوب وشمال
الليطاني . أما البند الثاني فهو دخول
لبنان عمليًا في مسار تطبيع مع
إسرائيل ، بما يتجاوز اتفاق الإطار إلى خطوات سياسية ميدانية علنية.
في المقابل، تدرك الجهات الرسمية
اللبنانية ، وتحديدًا دوائر القرار في بعبدا وعين التينة،أن
الإدارة الأميركية ، رغم لهجتها التصعيدية، لا يمكن أن تتحمل أي خضّة أمنية أو انهيار في الاستقرار اللبناني، باعتبار أن خط الاستقرار يشكل خطًا أحمر أميركيًا. لذلك، فإن التقدير في بيروت أن مثل هذه الشروط، إذا طُرحت بصيغتها النهائية، ستكون غير قابلة للتنفيذ لما تحمله من خطر اصطدام مباشر بين الجيش والقوى الأمنية من جهة، وبين حزب الله من جهة أخرى، وربما مع جمهور طائفي واسع يشكل مكونًا أساسيًا من النسيج الوطني اللبناني.
لذلك، يجري العمل بهدوء على بلورة ردّ لبناني عملي، يستند إلى منطق التهدئة والحفاظ على الاستقرار، وفي الوقت نفسه محاولة تقديم بدائل مقبولة يمكن أن تُرضي الجانب الأميركي جزئيًا. من بين الطروحات قيد البحث، إعادة تفعيل اتفاقية الهدنة، أو التوصل إلى صيغة وسط تضع السلاح ضمن إطار مرجعية الدولة، لا من حيث التنظيم أو الملكية، بل من حيث القرار المتعلق باستخدامه أو عدمه. وهو طرح حساس لكنه قد يفتح بابًا على تسوية سياسية إذا اقترن بجدية التنفيذ.
الجانب اللبناني سيشدد في المقابل على شرط واضح يتمثل بوقف الاعتداءات
الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية، والانسحاب من المناطق المحتلة، وفتح ملف
إعادة الإعمار ، خاصة في المناطق التي تضررت جراء العدوان
الإسرائيلي . لكن كل هذه النقاط لا تزال حتى اللحظة ضمن إطار البحث، على أن تتضح الصورة أكثر مع اقتراب موعد زيارة أورتاغوس، التي ستكون محطة مفصلية في مسار العلاقة اللبنانية - الأميركية خلال المرحلة المقبلة.