كأنّ
لبنان لا يعيش أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة، وكأنّ الوقت ليس مهدورًا تمامًا بانتظار تفاهم إقليمي أو استحقاق داخلي يُحرّك شيئًا في المياه الراكدة. هكذا يبدو المشهد عندما نراقب الزخم الذي أُعطي للانتخابات البلدية واتحادات البلديات، وكأنها "معارك كبرى" ستعيد تشكيل موازين القوى في البلاد. في الواقع، لا شيء من ذلك صحيح. ما نراه هو مجرد محاولات حزبية لتسجيل نقاط رمزية في مباريات لا قيمة فعلية لها.
خذ مثلاً المعركة التي
دارت لاختيار رئيس
اتحاد بلديات المتن . اشتباك سياسي وشعارات وانتصارات "وهمية" بين
التيار الوطني الحر والوزير السابق
ميشال المر في مواجهة
حزب الكتائب . ما النتيجة؟ لا شيء يُذكر سياسيًا. هذه الانتخابات لا تُحدث أي فرق في التوازنات السياسية، ولا تُعيد تموضع أي قوة، ولا تُترجم إلى رصيد شعبي حقيقي. هي أشبه باستثمار حزبي في ورقة محلية، تُضخّم إعلاميًا لخدمة معركة أكبر لم تبدأ بعد.
ولا يختلف الأمر كثيرًا في
زحلة ، حيث خاض
حزب القوات اللبنانية معركة بلدية وكأنها "أم المعارك". هو نفسه الحزب الذي يُدرك أن معايير
الانتخابات البلدية تختلف كليًا عن الانتخابات النيابية، وأن الفوز أو الخسارة في مجلس بلدي لا يعني شيئًا في موازين القوى الوطنية. ومع ذلك، أُعطت "القوات" للمعركة بعدًا سياسيًا مبالغًا فيه، ربما لتغطية العجز عن إحداث خرق فعلي في الواقع السياسي الراهن.
أما "
الثنائي
الشيعي "، فهو بدوره لم يشذّ عن
القاعدة ، بل اجتهد لحصد ما يُمكن من "أرقام قياسية" في بعض المناطق. لكن ما الذي تضيفه هذه الأرقام في وجه الضغوط الدولية، أو في معادلة التوازن الداخلي؟ لا شيء. البلديات ليست أدوات للتفاوض الإقليمي ولا أدوات تأثير في مسار الدولة المركزي.
ما نعيشه هو هروب جماعي نحو معارك محلية صغيرة، تُصوَّر وكأنها انتصارات كبيرة، فقط للتغطية على العجز السياسي العام.
القوى السياسية في لبنان تلعب على حافة الفراغ، تدير الوقت الضائع بلا أفق، بانتظار أمرين: إما تفاهم إيراني-أميركي يعيد تشكيل المشهد، أو انتخابات نيابية تُعيد فرز القوى. أما ما دون ذلك، فكلّه "مسرحيات سياسية" لا تحمل أي قيمة سياسية حقيقية.