ليس ملفّ السلاح الفلسطيني في لبنان ، داخل وخارج المخيمات، جديدًا أو طارئًا، إذ سبق أن وُضِع قيد البحث مرارًا وتكرارًا، كان أبرزها في العام 2006، حين أقرّت طاولة الحوار التي التأمت بعد خروج الجيش السوري من لبنان، ضرورة سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، مع ضبطه وتنظيمه في داخلها، مقابل منح اللاجئين الفلسطينيين باقي حقوقهم، وهو قرار "سقط" بعد حرب تموز ، كغيره من القرارات التي اتُخِذت في حينه.
لكنّ الملف عاد إلى الواجهة في الآونة الأخيرة، بالتوازي مع ملف نزع سلاح "
حزب الله "، الذي فُتِح في أعقاب الحرب
الإسرائيلية على لبنان، أو ما سُمّيت بـ"حرب الإسناد"، وما ترتّب عليها من متغيّرات، وكذلك مع انطلاقة
العهد الجديد الذي اختار له الرئيس
جوزاف عون شعار "حصرية السلاح بيد الدولة"، وهو ما تبنّته حكومة العهد الأولى برئاسة
نواف سلام ، التي نصّت في بيانها الوزاري، على وجوب "احتكار" الدولة لحمل السلاح.
ولعلّ حوادث إطلاق الصواريخ من الأراضي
اللبنانية بعد اتفاق وقف إطلاق النار، والتي كشفت التحقيقات ضلوع فلسطينيين فيها، سلّطت الضوء أكثر على السلاح الفلسطيني، خصوصًا بعد التحذير الذي أصدره
المجلس الأعلى للدفاع لحركة "
حماس " من استخدام الأراضي اللبنانية لأعمال تمسّ بالأمن القومي، لتأتي زيارة الرئيس الفلسطيني
محمود عباس اليوم إلى لبنان، وسط كلّ ذلك، فهل "تحسم" الملف الفلسطيني لمرّة أخيرة ونهائية؟!
أهمية زيارة محمود عباس
تبدو زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان مهمّة جدًا، بل استثنائية، من حيث التوقيت أولاً، في ضوء التطورات التي طرأت على العلاقة اللبنانية
الفلسطينية على مرّ الأشهر الماضية، منذ "حرب الإسناد" التي دفع لبنان ثمنًا غاليًا لها، تحت عنوان دعم الشعب الفلسطيني، وصولاً إلى ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يدرك القاصي والداني أنّه أسّس لمرحلة جديدة في لبنان، لن يكون السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات بمنأى عنها.
وتكتسب زيارة عباس إلى لبنان أهمية استثنائية، في ضوء ما يمكن اعتباره "خللاً" طرأ على خط العلاقة اللبنانية الفلسطينية، ظهر بوضوح في بيان
المجلس الأعلى للدفاع قبل أسابيع، مع التحذير الذي تمّ توجيهه لحركة حماس، إثر حادثة إطلاق الصواريخ من لبنان، والكلام الذي نُقِل عن رئيس الحكومة أيضًا، لجهة "ضرورة تسليم السلاح غير الشرعي إلى
الدولة اللبنانية ، وعدم السماح للفصائل الفلسطينية بزعزعة الاستقرار والأمن القومي".
وإذا كانت الخطوات العملية قد بدأت على مستوى ملف السلاح الفلسطيني في لبنان، مع إقفال ملف السلاح خارج المخيمات، نهاية العام الماضي، بإعلان الجيش تسلّمه ستة مراكز عسكرية للجبهة الشعبية -القيادة العامة وفتح الانتفاضة، فإنّ الأنظار تتّجه اليوم إلى زيارة الرئيس محمود عباس، باعتبار أنّها ستكون "البوابة" لوضع ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات "على النار"، وفق تطلعات "العهد الجديد".
أبعد من مجرّد زيارة؟
وبالفعل، لم يتأخر عنوان السلاح الفلسطيني ليظهر في مندرجات الزيارة، فبعد القمة الافتتاحية بين الرئيسين عون وعباس، صدر بيان واضح لا يحتمل اللبس بهذا المعنى، أكد فيه الطرفان "التزامهما بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وإنهاء أي مظاهر خارجة عن منطق الدولة اللبنانية، كما على أهمية احترام سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه"، مع تأكيد الجانب الفلسطيني، "التزامه بعدم استخدام الأراضي اللبنانية منطلقاً لأي عمليات عسكرية".
لكن، هل يعني ذلك أنّ موضوع السلاح الفلسطيني قد حُسِم فعليًا، وبصورة نهائيّة؟ يقول العارفون إنّه لا يزال من المبكر لأوانه الحكم على ذلك، ولو أنّ الأكيد أنّ زيارة عباس من شأنها أن تشكّل بابًا لمقاربة جدّية للملف قد تكون الأولى من نوعها بالمُطلَق، إلا أنّ الأمر يبقى أبعد من مجرّد زيارة، علمًا أنّ البيان المشترك الذي صدر عن
قصر بعبدا ، تحدّث عن تعزيز التنسيق، وكذلك عن تشكيل لجنة مشتركة لبنانية – فلسطينية لمتابعة أوضاع المخيمات.
هنا، يقول العارفون إنّ ما تمخّض عن اجتماع
بعبدا هو أنّ موضوع السلاح وُضِع على بساط البحث، وأنّ الجانب الفلسطيني أدرك أنّ الدولة اللبنانية مصمّمة على المضيّ بالأمر حتى النهاية، إذ لا يمكن أن يكون ملف سلاح "حزب الله" مثلاً مطروحًا، فيما السلاح الفلسطيني مؤجّل، ولو أنّ هناك من يتحدّث عن حوار لبناني-فلسطيني، وآخر فلسطيني-فلسطيني، قد يكون مطلوبًا في المقام الأول، ولا سيما أنّ سلاح المخيمات ليس منظّمًا أو مضبوطًا كما يخال البعض.
تفتح زيارة محمود عباس ملفّات عالقة منذ سنوات طويلة، ومنها السلاح الفلسطيني، الذي سبق أن طُرِح على بساط البحث، من دون أن يفضي إلى أيّ نتيجة، لكنّ ظروف الزيارة، وهي الأولى منذ العام 2017، تفرض مقاربات جديدة، توحي بـ"حزم" لا يشبه ما كان يحصل في السابق، فهل يمكن القول إنّ ملف السلاح سيُطوى قريبًا، وهل يشكّل ذلك فرصة لإعادة النظر بوضع المخيمات ككلّ، وبواقع اللاجئين الصعب؟!