صحيح أنّ نسبة الاقتراع "المتواضعة" شكّلت "العلامة الفارقة" للانتخابات البلدية والاختيارية في
بيروت ، وصحيح أنّ هاجس الحفاظ على المناصفة شكّل "عنوان" المعركة، من دون أيّ منازع، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ نتيجة هذه الانتخابات انطوت على الكثير من الدلالات والعِبَر، ولكن أيضًا "الدروس"، في ضوء الهزيمة التي منيت بها قوى
المعارضة ، وبالأخصّ
المجتمع المدني ، في مواجهة الأحزاب الكبرى التي استعادت زمام المبادرة.
ولعلّ تجربة "بيروت مدينتي" تحديدًا، تمثّل "الدرس الأول" لهذه الانتخابات، فاللائحة التي راهن عليها كثيرون لم تخرج خالية الوفاض فحسب، بل بنتيجة "مخيّبة" في أحسن الأحوال، خلافًا لما جرى في
الانتخابات البلدية عام 2016، حين استطاعت اللائحة التي حملت الاسم نفسه، أن "تنافس" حتى الصوت الأخير، وشكّلت "التهديد الأول" لأحزاب السلطة، قبل أن تهبّ "رياح" التغيير على بيروت في انتخابات 2018، ثمّ تتوسع لسائر المناطق عام 2022.
وبالفعل، حازت اللائحة على دعم وتأييد عدد لا بأس به من نواب "التغيير"، خصوصًا في بيروت، من بينهم إبراهيم منيمنة وبولا يعقوبيان وغيرهما، لتأتي النتيجة "صفعة مدوّية" للخط "التغييري" ككلّ، فأيّ "رسالة" وجّهها أهل بيروت، سواء منهم من اقترعوا أو من فضّلوا الاعتكاف، لمن عرفوا بـ"
التغييريين "، عبر "بيروت مدينتي"؟ وكيف يتلقّف نواب "التغيير" هذه الرسالة قبل نحو عام من انتخابات نيابية قد تطيح بكتلتهم عن بكرة أبيها؟!
"رسالة" أهل بيروت
قاسية جاءت "رسالة" أهل بيروت إذاً إلى "التغييريين"، وهي لم تتجسّد فقط في فوز تكتّل الأحزاب الكبرى، رغم كلّ تناقضاتها، التي بدا بعضها "فاقعًا"، كوجود "
حزب الله " و"القوات
اللبنانية " مثلاً جنبًا إلى جنب على لائحة واحدة، إلى جانب "
الكتائب " و"
التيار الوطني الحر " وغيرهما، بل في تراجع التأييد لـ"بيروت مدينتي" إلى الحدود الدنيا، بعدما كان قد وصل إلى "الذروة" في العام 2016.
صحيح أنّ هناك من يلفت إلى أنّ الظروف مختلفة، ففي العام 2016، عرفت "بيروت مدينتي" كيف تدير المعركة الدعائية قبل السياسية، ونجحت على المستوى التنظيمي قبل الانتخابي، وهو ما لم يحصل في هذه المعركة، لضيق الوقت، وللضبابية التي أحاطت بالاستحقاق، إضافة إلى أسباب أخرى، من دون أن ننسى "تشتّت الأصوات" الذي حصل بين اللوائح المعارضة، بعدما كانت "بيروت مدينتي" وحيدة في مواجهة لائحة الأحزاب عام 2016.
لكن ما لا يمكن القفز فوقه، أنّ أهالي بيروت أرادوا أن يوجّهوا رسالة "استياء" واضحة إلى من يقف خلف "بيروت مدينتي"، التي لم تحلّ حتى في المرتبة الثانية بين اللوائح، كما كان متوقّعًا، وهو ما يعزوه البعض للعديد من الأسباب، تتقاطع عند طريقتها في إدارة المعركة، التي لعبت "الشعبوية" دورًا أساسيًا على خطّها، علمًا أنّ هناك من ذهب إلى القول إنّ اللائحة التي ضمّت كفاءات من مختلف المجالات، لم تأخذ بعين الاعتبار أنّها تمثّل بيروت، بكلّ ما تمثّله بيروت.
هل وصلت الرسالة؟
هكذا، جاءت "رسالة" أهل بيروت لائتلاف "بيروت مدينتي" واضحة. من صوّتوا للأحزاب الكبرى، أرادوا القول إنهم يفضّلون "القديم" على "جديد" لا يبدو مضمونًا، خصوصًا بعد تجربة
النيابة "غير المشجّعة". أما من لم يصوّتوا، وفضّلوا المكوث في منازلهم، فأرادوا القول إنّهم لم يروا في اللائحة "بديلاً" يمكن الرهان عليه، أو بالحدّ الأدنى، إنّ الحملة الدعائية للائحة، لم تحفّزهم ليشعروا أنّهم "معنيّون" بالمعركة، وهنا الطامة الكبرى.
يقول العارفون إنّ "رسالة" أهل بيروت قد لا تكون موجّهة للمرشحين على لائحة "بيروت مدينتي"، وبينهم أصحاب كفاءة ومراكز رفيعة، ولكن إلى من يقف وراءهم، وتحديدًا إلى نواب "التغيير" الداعمين لهذه اللائحة، والذين كانت بيروت "نقطة انطلاقهم"، بدءًا من انتخابات 2018، التي أسّست لها تجربة "بيروت مدينتي" عام 2016، وصولاً إلى انتخابات 2022، حيث أوصلت بيروت وحدها أكثر من 4 نواب "تغييريين".
من هنا، يشدّد العارفون على أنّ المطلوب من نواب "التغيير" أن يفهموا "الرسالة" التي انطوت على الانتخابات البلدية في بيروت، وبالتالي مراجعة أدائهم السياسيّ منذ وصولهم إلى الندوة
البرلمانية ، حتى لا تكون الانتخابات النيابية في العام المقبل، بمثابة "انتكاسة" لخطّهم "التغييري"، بعد "الخيبة" التي تسبّبوا بها لدى من انتخبوهم، خصوصًا بعدما طغت "خلافاتهم" على "إنجازاتهم"، وتفرّقوا إلى كتل بالجملة، وبينهم من "ذاب" في الأحزاب.
يقول البعض إنّ نواب "التغيير" ظُلِموا من اللحظة التي دخلوا فيها إلى الندوة البرلمانية، حين وُضِعوا تحت المجهر، وسُلّطت كلّ الأضواء عليهم، وكأنّ المجلس النيابي عبارة عن 12 أو 13 نائبًا، وليس 128، في وقتٍ لم يكن بمقدورهم أن يفعلوا الكثير أساسًا. لكنّ الأكيد أنّ على هؤلاء النواب، ومن يمثّلون، مسؤولية أساسيّة اليوم، في أخذ الدروس والعِبَر، والاستفادة منها، حتى لا يكتبوا "نهاية" قصّة "تغييرية" لم تصمد أكثر من دورة نيابية واحدة!