تتجه الأنظار إلى المفاعيل الاستثماريّة لفك العزلة الخليجيّة عن
لبنان ، من البوابة الإماراتيّة، وامكان انسحابها على دول خليجيّة أخرى، في طليعتها
المملكة العربيّة السعوديّة. التبعات الإيجابيّة لعودة الخليجيين إلى لبنان،
بعد سنوات من الإنكفاء، لا تقتصر على قطاع السياحة والخدمات فحسب، بل توازيها أهميّة معاودة الاستثمارات الخليجيّة في قطاعات متعددة، لاسيما في سوق العقارات. فهل يشكّل رفع الحظر بداية لاستعادة الاستثمارات الاماراتية في لبنان؟ والأهم من ذلك هل لبنان بات جاهزًا لاستقطاب الاستثمارات الأجنبيّة؟
قبل أن تشهد العلاقات اللبنانيّة مع دول
مجلس التعاون الخليجي توتّرًا متّصلًا بحجم النفوذ
الإيراني في الداخل وما شكّله من إساءة لعلاقة لبنان بمحيطه العربي، كان لبنان على قائمة الدول العربيّة الجاذبة للاستثمارات الخليجيّة لاسيما في سوق العقارات. وبحسب ورقة أعدّتها الهيئات الاقتصاديّة، فإنّ دول
الخليج كانت تتربّع على قمّة جدول المستثمرين في لبنان، حيث كانت تتراوح قيمة هذه الإستثمارات، في الفترة التي سبقت 2011، بين مليارين وثلاث مليارات دولار. وفق إحصاءات IDAL، لامست تدفّقات الاستثمار الأجنبيّ المباشر نحو 2.7 مليار دولار عام 2006، 95.9% منها من بلدان عربيّة. وبين 2007 و2010 وُجِّه حوالي 60% من هذه التدفّقات إلى القطاع العقاري، فتركّزت في مشاريع فندقيّة ومنتجعات ساحليّة وأبراج "سوليدير". كما كانت السياحة الخليجيّة إلى لبنان تشكّل العمود الفقري والمرتكز الأساسي للإيرادات الناتجة عن القطاع. في العام 2010، شكّلت الإيرادات الناتجة عن مجيء السيّاح الخليجيين إلى لبنان حوالي 65% من مجمل الإيرادات السياحيّة، التي سجّلت حينها 8.4 مليار دولار.
من بيع العقارات الخليجية إلى الطلب عليها؟
نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان وليد موسى تحدث لـ "
لبنان 24 " بالكثير من التفاؤل عن تأثير كبير للقرار
الإماراتي على القطاع العقاري،وما قد يليه من قرارات خليجيّة مماثلة قائلًا "بدأنا نلمس اهتمامًا، وتلقّينا اتصالات من مستثمرين ووسطاء يستطلعون حال السوق العقاري. وسيشكّل عيد الأضحى المبارك المناسبة الأولى لترجمة مفاعيل القرار بزيارة الإماراتيين في شقّها السياحي بداية، ومن ثمّ تلمّس مدى اندفاعهم للاستثمار".
شهدت توظيفات الخليجيين في القطاع العقاري فورة ما قبل العام 2005، واستقطبت محافظة
جبل لبنان الحصّة الأكبر، من شراء منازل أو عقارات لبناء قصور وفيلات، إضافة إلى بعض الشقق الفخمة في
بيروت . في منتصف العام 2006 عقب حرب
تموز ، توقّف الخليجيون عن الاستثمار في سوق العقارات في لبنان، وبعد العام 2010، وفي ظلّ توتر الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة في البلد، حاولوا الخروج من سوق العقارات
اللبنانية ، وبدأت موجة بيع الاراضي والفيلات التابعة لخليجيين في مناطق الاصطياف. اليوم يعوّل اللبنانيون على الصفحة الجديدة التي فُتحت في عهد الرئيس
جوزاف عون ،بين لبنان وأشقائه العرب، لجهة إعادة العلاقة إلى طبيعتها، والتأثيرات لنتقتصر على سوق العقارات، بل ستطال الاقتصاد اللبناني ككل وفق موسى"منذ أكثر من عشرة أعوام انقطع أيّ استثمار أجنبي في القطاع العقاري. وعندما نقول المستثمر الأجنبي نعني به المستثمر
الخليجي ، إذ لا مستثمر غيره في السوق اللبناني، وعودته إلى السوق العقاري من شأنها أن تعيد تنشيط السوق الذي يواجه جمودًا بفعل الأزمة، خصوصًا أنّ المطوّرين العقاريين اللبنانيين يفتقدون إلى مصادر تمويل لمشاريعهم العقارية، بفعل أزمة القطاع المصرفي، على عكس المستثمر الخليجي الذي يمكن له أن يستثمر في مشاريع عقارية من دون المصارف اللبنانية، انطلاقًا من تمويله الذاتي، أو عبر مصارف أجنبية، ويمكن له أن يعمد إلى تقسيط دفعات المنازل أو الشقق في المشاريع قيد الإنشاء".
المطلوب من لبنان: حماية ومكننة وشفافيّة
تبادر الأمارات كما غير من الدول، تجاه لبنان، وتنتظر بالمقابل أنّ تقوم الحكومة بعملها لجهة استكمال الاصلاحات، وخلق الحوافز والقوانين الكفيلة بحماية الاستثمارات، في السياق يلفت موسى إلى وجوب مواكبة العودة الخليجية من خلال تهيئة بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات "بدءًا من الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وصولًا لاستكمال الإصلاحات والشواغر في المراكز. إذ يتوجب علينا أن نبرهن أننّا نفتح صفحة جديدة من شأنها توفير الأمن والأمان للمستثمر وللسائح أيضًا، فلا أحد يزور أو يستثمر في مكان مثير للقلق أو الخوف. بالتوازي هناك ضرورة ملحّة لتطبيق إصلاحات جذريّة فيما يختص بالدوائر العقاريّة، والمكننة، وشبك كتاب العدل بالدوائر العقاريّة، لتسريع المعاملات بعيدًا عن الروتين الإداري، خصوصًا أن الإماراتي والخليجي
بشكل عام معتاد على السرعة في المعاملات والمكننة والشفافية. من هنا وجب علينا أن نبرهن أنّنا "قد الحمل"، وقادرون فعلًا على إنجاز المعاملات بسرعة وشفافيّة".
الإصلاح المصرفي ضرورة
جذب الاستثمارات إلى البلد يتطلّب قطاعًا مصرفيًّا سليمًا، انطلاقًا من حاجة المستثمر إلى التعامل مع المصارف، يلفت موسى، خصوصًا أنّ الاستثمار في مشاريع سكنية يتطلبًا تقسيطًا على مدى سنوات، إذ لا وجود لقطاع عقاري سليم من دون قطاع مصرفي سليم.
لا شكّ أنّنا أمام مرحلة جديدة في إعادة ترميم العلاقة بين لبنان ومحيطه العربي، وعودة الرساميل الخليجيّة إلى قطاعات متعددة في لبنان تبقى مرتبطة ليس فقط بالظروف السياسيّة الملائمة، بل بوضع الإصلاحات موضع التنفيذ من قبل الحكومة، ومن دون طريق الإصلاح ستضيع الفرصة التي لاحت من الخليج الشقيق.