على رغم اهتمامه بتفاصيل الانتخابات البلدية والاختيارية لا يغيب عن بال اللبناني مراقبة ما يجري من حوله من تطورات ومتغيّرات يُعتقد أنها ستصّب في خانة ما رمى إليه البابا لاوون الرابع عشر في أول كلمة له بعد انتخابه كخليفة للقديس بطرس وللبابوات الـ 266 القديسين عندما تحدّث عن المفهوم الحقيقي للسلام. وهذا السلام، وإن اختلفت مفاهيمه الأرضية والسماوية، سيكون على الأرجح محور الزيارة التي بدأها الرئيس الأميركي
دونالد ترامب لمنطقة
الشرق الأوسط في
المملكة العربية السعودية وتشمل دولة الامارات العربية المتحدة وقطر.
فالسلام في حسابات
ترامب قد يختلف من حيث المبدأ مع السلام، الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة. وبداية هذا السلام تكون بأن يكون للفلسطينيين دولة مستقلة وذات سيادة، وأن تكون حقوقهم فيها مصانة ومحترمة مثلهم مثل أي شعب آخر يتمتع بسيادة مطلقة وبحرية غير مقيّدة، وأن يكون
لبنان محرّرًا من أي وصاية خارجية، وأن يحيّد عن صراعات المنطقة، وألاّ تبقى أرضه سائبة أمام الأطماع
الإسرائيلية في شكل خاص وأمام أي أطماع أخرى من شأنها أن تزعزع استقراره وتحول دون تمكّنه من السير في مشروع التعافي، الذي بدأ اللبنانيون تلمّسه، وإن كان ما يطمحون إليه لا يزال في بداياته، ولكنها تبشّر بإمكانية الوصول إلى برّ الأمان، مع الكثير من الصبر، وهو ما يحتاجون إليه قبل أن تشرق شمس فجر جديد.
فما يمكن أن يحمله الرئيس الأميركي معه في زيارته للمنطقة من أفكار ومشاريع ورؤى من شأنها أن تحرّك المياه الراكدة، بحسب تعبير عدد من المطلعين والمراقبين السياسيين، الذين يتطلعون إلى هذه الزيارة وما يمكن أن يسفر عنها من نتائج على المديين القريب والمتوسط بشيء من التفاؤل المشوب بالحذر، وذلك استنادًا إلى التجارب السابقة، والتي لم تكن مشجعة بالمعنى الحصري للكلمة. ومردّ هذا الحذر يندرج في سياق ما تخطّط له
إسرائيل بالنسبة إلى "الشرق الأوسط الجديد"، الذي تطرّق إليه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أكثر من مرّة، وفق نظرية تقوم على تقوية النفوذ
الإسرائيلي بدءًا من
قطاع غزة ، ومرورًا بلبنان ووصولًا إلى
سوريا ، وربما إلى ابعد من ذلك.
وفي رأي هؤلاء المراقبين فإن المنطقة لم تصبح جاهزة بعد لكي تتلاقى مصالح شعوبها مع المصالح الإسرائيلية القائمة على الهيمنة، تمهيدًا لتقبّل فكرة التطبيع غير المتوافرة لها المناخات الملائمة، وذلك نظرًا إلى التباعد الشاسع بين النظرة الإسرائيلية، وربما الأميركية، مع نظرة أغلبية شعوب المنطقة بالنسبة إلى
المستقبل . فما دامت
تل أبيب مستمرّة في نهجها التدميري في القطاع ولاحقًا في الضفة الغربية وفي لبنان وفي سوريا من خلال إمكاناتها الجوية المتطورة فإن مجرد التفكير حتى بما يمكن أن تؤول إليه محادثات الرئيس ترامب في شأن السلام، الذي لا يمكن إلاّ أن يكون شاملًا وعادلًا بالمفهوم الذي توافق عليه
القادة العرب في قمة
بيروت العربية، وحل الدولتين، غير وارد لدى القادة العرب، الذي سيلتقيهم الرئيس الأميركي في زيارته، التي تتزامن مع ما يُحكى عن بعض العثرات في المفاوضات غير المباشرة بين
واشنطن وطهران. وهذا ما يمكن أن يؤثّر سلبًا على مدى نجاح ما تسعى إليه
الولايات المتحدة الأميركية بالنسبة إلى مستقبل المنطقة، الذي يصرّ الإيرانيون على أن يكونوا جزءًا من التسوية في حال تمّ التوصّل إلى توافقات، سواء على المستويات الجماعية أو الفردية، بالنسبة إلى تقاسم النفوذ في منطقة تنحو نحو استقرار مستدام وفق نظرية "شرق أوسط جديد" كما يراها ولي
العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لسنة 2030.
وبغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تسفر عنها هذه الزيارة، فإن المطلوب من لبنان أن يكون مستعداً لمواجهة المتغيِّرات التي ستطرأ على مسار الأمور في الشرق الأوسط، وخاصة على صعيدي الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، والدور
الإيراني بعد وضع المشروع
النووي جانباً من قبل طهران، وتحسين العلاقات مع دول الجوار.
ومن المعروف أن الرئيس ترامب يُطلق معايير مختلفة لنظام عالمي جديد يقوم على مراعاة المصالح الاقتصادية والمالية، وإنهاء زمن النظام الراهن الذي قام في إعقاب الحرب العالميّة الثانية، والذي كان عماده الحرب الإيديولوجية بين الليبرالية والشيوعية.
وأمام هذا المنحى الجديد هل يمكننا أن نقول بأن لبنان قد أصبح على أهبة الاستعداد لملاقاة هذه التطورات المتسارعة، وما تحمله من متغيِّرات جذرية في الإقليم، وعلى مستوى العالم بأسره؟
المؤشرات التي بدأت بانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية بعد فراغ دام سنتين وثلاثة أشهر فيها من الاطمئنان توحي بأن لبنان قد بدأ يتلمّس جادة التعافي بورشة إصلاحية تفرض على جميع من في يدهم مفتاح الحل والربط أن يكونوا جاهزين للصعود على متن قطار التغيير.