آخر الأخبار

تصعيد محسوب ورسائل مزدوجة: خطاب نعيم قاسم تحت المجهر

شارك
في مشهد سياسي وأمني بالغ الحساسية، برز خطاب نائب الأمين العام لـ" حزب الله " الشيخ نعيم قاسم ، يوم أمس، كحلقة جديدة في سلسلة خطابات تصعيدية تعبّر عن تمسّك "الحزب" بثوابته الاستراتيجية، من دون أن يعني ذلك الانجرار إلى مواجهة مباشرة أو تغيير في قواعد الاشتباك. فالخطاب، وإن بدا لوهلة شديد النبرة، بقي محكوماً بسقف مدروس، يراعي التوازنات الداخلية والإقليمية، ويُعبّر عن توجّهٍ سياسي أكثر مما هو مقدّمة لقرار عسكري.

اللافت أن كل إطلالة للشيخ قاسم تترافق مع تصعيد محسوب في اللهجة، ما يؤكّد أن "الحزب" بات يعتمد هذا الأسلوب كجزء من استراتيجية "الردع الكلامي"، من دون التفريط بالتزامه المعلن بالقرار 1701. فالحزب، كما بات واضحاً، لا يسعى حالياً إلى التصعيد الميداني ولا إلى استخدام قوته المتجددة، بل يعمل على ترميم منظومته الردعية وتعزيز قدراته بهدوء، في إطار إعادة تموضع محسوبة لا تتخطى ما بعد وقف إطلاق النار الأخير.

ووفق مصادر مطّلعة فإنّ "هذا المسار الذي ينتهجه "حزب الله" ينطلق من قناعة داخلية بأن المواجهة السابقة لم تكن خياراً حرّاً بيد "الحزب"، بل جاءت نتيجة ظرف سياسي وميداني فُرض عليه فرضاً، ولم تكن الظروف المحيطة بها ملائمة لفرض شروط جديدة أو تحقيق مكاسب استراتيجية كبرى. من هنا، تعاطى معها "الحزب" على قاعدة احتواء الواقع، لا البناء عليه، وهو ما يفسّر الحذر الشديد الذي يبديه في المرحلة الراهنة".

في المقابل، يتمسّك "الحزب" بوضع خطوط حمر واضحة في الداخل اللبناني، أبرزها عدم المسّ بسلاحه تحت أي ظرف ورفض الدخول في أي مقايضة أو حوار حوله، باستثناء ما يتعلق بمنطقة جنوب الليطاني وفق مقتضيات القرار الدولي ، من دون أن يتعدّى ذلك إلى أي تنازل يمسّ جوهر مشروع المقاومة .

الرسائل التي تضمنها خطاب الشيخ قاسم كانت موجّهة بعدّة اتجاهات، أحدها للداخل اللبناني، لتأكيد التمسّك بثوابت المقاومة ورفض أي ضغوط أو تسويات تمس جوهرها. وأخرى للخارج، خصوصاً إسرائيل ، للتأكيد أن "الحزب" يستثمر نتائج المواجهة الأخيرة لتعزيز موقعه، لكنه ليس بصدد فتح جبهة جديدة طالما أن الشروط السياسية غير ناضجة بعد.

يُدرك "الحزب" أن الحرب لا تُخاض فقط بالسلاح، بل أيضاً بالكلام المدروس، وخطاب الشيخ قاسم يأتي في هذا السياق؛ رفع النبرة من دون تجاوز الخطوط الحمراء، تثبيت التوازن من دون تفجير الوضع، وإرسال إشارات قوة من دون الانزلاق إلى مغامرة عسكرية غير محسوبة. لذلك، فإن مراقبة خطابات الشيخ قاسم تُعدّ مؤشراً دقيقاً على مزاج "الحزب" وتوجهاته، لا سيما في مرحلة حساسة، تتشابك فيها الضغوط الداخلية مع التحديات الإقليمية.

في الخلاصة، "حزب الله" يدير المرحلة بعقل بارد وبلغة ساخنة، إذ لا يخفي نواياه لكنه لا يكشف أوراقه، ويلوّح بالقوة لكنه يربط استخدامها بالتوقيت والظرف. وما بين التصعيد اللفظي والانضباط الميداني، يتحرّك ضمن معادلة معقّدة عنوانها: لا تنازل عن جوهر السلاح، ولا معركة إلا بشروطه، أي أن أي مواجهة مقبلة لن تحدث إلا في توقيت يحدّده هو، وبظروف ميدانية وسياسية تناسبه، وبأهداف استراتيجية واضحة، لا كردّ فعل انفعالي أو تحت ضغط الواقع.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا