نفذ سلاح الجو
الإسرائيلي غارات جوية عنيفة أمس في
جنوب لبنان ، زُعم أنها استهدفت إحدى المنشآت العسكرية التابعة لحزب الله. إلا أن هذه
الغارات تأتي في سياق إقليمي أكثر تعقيدًا مما يبدو عليه.
فالتطورات الأخيرة، ولا سيما انسحاب
الولايات المتحدة من الحرب على اليمن وتوقف الغارات هناك، تُشير إلى مرحلة جديدة قد تكون لها تداعيات سلبية على
إسرائيل ، مثل فرض إدخال المساعدات إلى غزة وتخفيف الحصار المفروض على القطاع.
في هذا الإطار، تبدو إسرائيل وكأنها تسعى للبحث عن ساحات جديدة يمكن أن تتقاطع فيها مصالحها مع السياسات الأميركية. وتشير مصادر مطلعة إلى أن
واشنطن لا تزال تمنح إسرائيل مساحة من الوقت لمواصلة عملياتها في غزة، وكذلك في
لبنان ، وإن بوتيرة محدودة. وفي الوقت نفسه، لا يبدو أن القيادة
الإسرائيلية مرتاحة للوضع الجديد، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية التي فرضتها التسويات الأميركية في المنطقة.
ومن هنا، يمكن قراءة الضربات الإسرائيلية الأخيرة في جنوب لبنان كرسالة مباشرة إلى الداخل الإسرائيلي وإلى خصوم اسرائيل الإقليميين، بأن إسرائيل لا تزال تمتلك زمام المبادرة. فقد أرادت حكومة
نتنياهو أن تظهر بأنها قادرة على التحرك عسكريًا من دون الحاجة إلى غطاء
أمريكي كامل، في وقت يبدو أن واشنطن تنكفئ فيه عن بعض الملفات الإقليمية لصالح التركيز على المفاوضات مع
إيران .
وفي ظل هذه المعطيات، يظهر أن
رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو قد اختار توجيه ضربة استعراضية إلى لبنان، بهدف التأكيد أن إسرائيل ما زالت صاحبة اليد
العليا في المنطقة، حتى بعد تراجع الدعم الأميركي الفعلي ضد الحوثيين في اليمن. كما أن هذه العمليات تندرج ضمن سياسة "الرسائل المدروسة" التي تعتمدها إسرائيل بشكل متكرر، لإظهار قدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية محدودة دون الانجرار إلى مواجهة واسعة النطاق.
وترى المصادر أن المخاوف الإسرائيلية تتجاوز البعد التكتيكي لتصل إلى المستوى الاستراتيجي، خاصة بعد التحركات الأخيرة للرئيس الأميركي
دونالد ترامب . فالرجل الذي يسعى إلى توقيع اتفاق مع إيران، قد اتفق أيضًا مع اليمنيين على وقف العمليات العسكرية وتبادل الضربات، من دون أن يشمل ذلك الاتفاق وقف استهداف إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة من اليمن.
وفي هذا السياق، تتوقع المصادر أن تستمر إسرائيل في تنفيذ ضربات مماثلة لما حصلت عليه أمس في لبنان وسوريا، وذلك بهدف الحفاظ على صورتها كقوة إقليمية قادرة على فرض قواعد اللعبة، على الرغم من الانسحاب الأميركي من بعض ساحات المواجهة. لكن السؤال يبقى: إلى متى يمكن لإسرائيل أن تستمر في هذه العمليات دون أن تجد نفسها في مواجهة إقليمية شاملة. وما هي قدرة نتنياهو على المناورة في ظل الضغوط الداخلية المتزايدة بسبب ملفات الفساد وغياب استراتيجية واضحة للتعامل مع التحديات الإقليمية؟
يمكن القول إن الغارات الأخيرة على جنوب لبنان ليست مجرد ردة فعل تقليدية، بل تأتي في سياقات مختلفة، ومحاولة لتعويض الفراغ الذي قد ينجم عن تراجع الدعم الأميركي لبعض الحلفاء الإقليميين. وفي هذا السياق، قد نشهد مزيدًا من العمليات المشابهة التي تهدف إلى ترميم صورة إسرائيل كقوة لا تزال قادرة على فرض قواعد الاشتباك، رغم التغيرات الكبرى في السياسة الاميركية تجاه المنطقة.