كتبت ندى ايوب في" الاخبار": المفارقة أنّ قوى «التغيير»، التي سطع نجمها في السنوات الست الماضية، وشكّلت «علامة فارقة» في انتخابات 2022 النيابية، كانت الغائب الأكبر عن الاستحقاق البلدي، إذ دعمت لوائح لم تتمكّن من الفوز أو حتى إحداث خرقٍ.
تهيّب «التغييريون» المعركة البلدية وابتعدوا عن خوضها بالمباشر، وآثروا عدم مواجهة لوائح الأحزاب التقليدية علناً، فدعموا لوائح في بعض بلدات محافظة جبل لبنان «من تحت الطاولة». وفي الكثير من البلدات تبخّروا، وكأنّهم «لم يمرّوا من هنا»، لا في أيامٍ تشرينية، ولا جولاتٍ نيابية. وحيث ولدت لائحة «تغييرية» صرف، كما في الغبيري (حصراً)، جاءت النتائج لتعكس أنّ حجم وجودهم في أقصى درجاته لا يتعدّى الأصوات الـ359 التي نالها المرشح الأول
على لائحة «الغبيري بتجمعنا» مقابل 6196 صوتاً نالها المرشح الأخير على لائحة «التنمية والوفاء».
الابتعاد عن الصراعات العائليّة ومحاولات الدعم الخفية في بعض الأماكن، كل ذلك دلّ على رغبةٍ في الوقوف على الحياد، أو في منطقةٍ رمادية، لا تستعدي أي قسمٍ من العائلات، انطلاقاً من حساباتٍ ترتبط بالانتخابات النيابية المقبلة. فضلاً عن عامل آخر أساسي، هو أنّ نجم نواب «التغيير» لم يكن ليبرز، إلا نتيجة الاستفادة من لحظة سياسية بعد انتفاضة 17 تشرين، وتوق اللبنانيين إلى تغيير حقيقي في نظام حكم الأقلية المطبق على البلد، عبر اختبار نموذجٍ مختلف في الحكم عن ذلك الذي أرسته قوى السلطة التقليدية.
كما أنّ وصول معظم هؤلاء النواب (ما عدا قلة) إلى الندوة البرلمانية لم يكن نتيجة امتلاكهم لبرامج عمل ورؤية إصلاحية، بقدر استخدامهم لأدوات السلطة نفسها في التعبئة، فكان الخطاب السياسي التحريضي، والشعارات الفضفاضة، سلاحهم لجذب الأصوات حينها. ولذلك بالضرورة سيعجزون عن استحقاقٍ فيه تماس مباشر مع قضايا المواطنين اليومية وهمومهم واحتياجاتهم، التي لم يقاربوها بشكلٍ جديّ عندما طرحوا أنفسهم نواباً.
المفارقة، أن عدم الاندفاع تجاه الانتخابات البلدية حالياً، هو سير بعكس التجربة. فالمرة الأولى التي خاض فيها مريدو التغيير معركة بوجه الأحزاب التقليدية، كانت في انتخابات بلدية في بيروت عام 2016، حيث منحت «بيروت مدينتي» الناخبين فرصتهم الأولى في تاريخ لبنان، للاقتراع للوائح خارج السلطة. يومها سبقت «بيروت مدينتي» معظم من وصلوا إلى الندوة البرلمانية باسم «التغيير»، في تجربة بلدية كانت مُلهمة، إذ حصدت مجموعة من الخبراء والناشطين أكثر من ثلث الأصوات في بيروت، في وجه 14 حزباً وممثّلاً عن الطوائف على رأسهم رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، وهو في قمّة زعامته. فيما لائحة «بيروت مدينتي» التي أُعلن عنها قبل أيام، على موعدٍ مع اختبارٍ حقيقي في هذا الاستحقاق، بعد الأجواء التي تسرّبت عن خلافات داخلية بين طبّاخيها.